يزداد مشهد الأزمة الداخلية قتامة منذ أن طفا مطلب «استرداد حقوق المسيحيين» على سطح الخطاب السياسي للتيار «الوطني الحر«، الذي قرر ترجمته من خلال الاعتكاف عن حضور نوابه جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ورفع شعار «وصول الرئيس الأكثر تمثيلاً على الساحة المسيحية«، ثم تمدد هذا الشعار إلى جلسات مجلس الوزراء من خلال الاعتراض على آلية العمل الحكومي التي تم الاتفاق عليها منذ تأليف حكومة «المصلحة الوطنية»، ثم على ملف التعيينات الأمنية، بعد قرار التيار الوطني الحر الاعتراض بالتظاهرات المتنقلة على قرار وزير الدفاع سمير مقبل التمديد لقائد الجيش والقادة الأمنيين لمدة عام وذلك ضمن الشعار العام «استرجاع حقوق المسيحيين».
إذاً، المشهد السياسي مأزوم منذ عام وأربعة أشهر، أما التطور الجديد فيتمثل باستخدام التيار «الوطني الحر« الشارع للتعطيل السياسي لكامل مؤسسات الدولة والذي ينسحب تعطيلاً اقتصادياً وتأهباً أمنياً، في ظل التحديات التي يعيشها لبنان نتيجة الأزمة السورية، وقد ظهرت بوادر هذا التعطيل من خلال جلسة مجلس الوزراء أمس التي انتهت من دون تعيين موعد لجلسة أخرى، حيث أعلن وزير الاتصالات بطرس حرب اعتكافه عن حضور جلسات الحكومة قائلاً: «لن أضيع وقتي وأحضر الجلسات إذا استمر وضع مجلس الوزراء على ما هو عليه«، في حين حذر وزير المال علي حسن خليل من «عدم القدرة على دفع رواتب شهر أيلول بسبب عدم نقل الاعتمادات في مجلس الوزراء«، وكل ذلك يطرح السؤال عما ينتظر اللبنانيين في المرحلة المقبلة وهل وقعنا حقاً في المحظور السياسي والأمني؟
لا يخفي العديد من السياسيين تشاؤمهم من المشهد السياسي القادم، إذ يشير عضو كتلة «المستقبل« النائب جان أوغاسابيان لـ«المستقبل»، الى أننا «ذاهبون نحو شلل حكومي، في الوقت الذي ننتظر فيه تسوية في المنطقة، ولسنا في زمن الحلول في لبنان وعلينا الانتظار وأن ندير خلافاتنا بشكل صحيح». من جهته لا ينفي عضو كتلة «التحرير والتنمية« النائب قاسم هاشم أنه «من حق أي فريق أو حزب أن يقوم بما تحفظه الأصول والدستور، لكن السؤال هو هل تسمح الظروف في لبنان والمنطقة لإطلاق الحريات والأهواء في الوقت الذي نحتاج إلى مزيد من الحرص على الاعتبارات الوطنية؟«. ويعتبر عضو كتلة «القوات« النائب فادي كرم أن «كل فريق داخلي يؤزم الوضع والملفات يدفع باتجاه استخدامها على طاولة المفاوضات الإقليمية وهذا ليس في مصلحة الشعب اللبناني».
وشدد عضو كتلة «الكتائب« النائب إيلي ماروني على أن «رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون يقود لبنان إلى وضع مأزوم وتخريب البلد، وينفذ مصلحة معينة وصولاً إلى المؤتمر التأسيسي وهذا ما ستكشفه الأيام».
أما أمين السر العام في الحزب «التقدمي الاشتراكي« ظافر ناصر فيرى أن لبنان «يعيش أزمة سياسية ليس فقط بسبب التظاهر بل بسبب خلافنا على الملفات الإقليمية وعلى كيفية مقاربة الملفات الداخلية، وهذا الأمر يتطلب منا النظر إلى الأمور مدركين ما يحصل في المنطقة وهذه المسؤولية تقع على الجميع».
كل ما تقدم يعكس مشهداً واحداً، أن لبنان يعيش تحدياً سياسياً واقتصادياً صعباً ستتبلور ملامحه أكثر في المرحلة المقبلة، مع تصاعد الحملة العونية في الداخل واستمرار لبنان في حالة الانتظار حتى تنضج التسويات الإقليمية، وهذا ما يوافق عليه أوغاسابيان بالقول: «نحن ذاهبون إلى شلل حكومي وشلل في كافة المؤسسات، علماً أننا في حالة انتظار للتسوية التي يتم الإعداد لها في المنطقة ولسنا في زمن الحلول، المطلوب هو إدارة صحيحة لخلافاتنا والحد من الخسائر في هذه المرحلة وذلك عبر تفعيل المؤسسات، لكن للأسف الأمور تذهب إلى مزيد من الصدام والتوتر والشلل الكامل في المؤسسات، علماً أن الشغور في الرئاسة الأولى هو الذي سمح لأحد الأفرقاء بشل المؤسسات الدستورية وتحديداً مجلس النواب والآن جاء دور مجلس الوزراء، وهذا يعني خسائر على كل الأصعدة وعواقب كثيرة في المجالات الاقتصادية والمالية وشؤون الناس الحياتية وقطاعات الكهرباء والقروض والنفايات ومصداقية الدولة ككل».
ويشير هاشم إلى أنه «من حيث المبدأ لا ضير من حرية التعبير التي كفلها الدستور والأعراف وبما يحفظ الاستقرار، لكننا اليوم في ظرف غير طبيعي وعلينا أن نتعاطى مع هذه الظروف بما يخدم الاستقرار ويحفظ الوطن ومصلحة الدولة والعلاقة بين المكونات الوطنية، وبالتالي علينا اليوم مقاربة الملفات بعيداً عن المصالح والأهواء السياسية مهما كانت الاعتبارات».
ويضيف: «صحيح أن الدستور يكفل حرية التعبير، لكن السؤال هل تسمح الظروف لإطلاق الحريات والأهواء، في الوقت الذي نحتاج إلى مزيد من الوحدة والحرص على الاعتبارات الوطنية لحماية النسيج الوطني في هذه الظروف؟».
ويعتبر كرم «أن التأزيم في الوضع الداخلي وتركيبة الدولة اللبنانية ربما المقصود منه أن يأخذ حزب الله الأمور بهذا الاتجاه ووضع كل الملفات الإقليمية في يد المفاوض الإيراني والحسابات الإيرانية».
ويتابع: «إن كل فريق داخلي يؤزم الوضع والملفات يدفع باتجاه استخدامها على طاولة المفاوضات الإقليمية، وهذا ليس في مصلحة الشعب اللبناني».
ويشدد ماروني على «أن الوضع الداخلي ذاهب الى مزيد من التأزم السياسي والاقتصادي وقد يكون الأمني أيضاً، لأن الشلل أصاب كل المؤسسات بسبب التيار الوطني الحر، الذي عطل في البدء الانتخابات الرئاسية تحت شعار «إما عون رئيساً أو لا أحد» ثم امتد الشلل إلى مجلس النواب واليوم يعطلون الحكومة والكل يعرف حاجة البلد إلى قرارات حكومية، ولولا خطوة وزير الدفاع لكان الشلل امتد أيضاً إلى المؤسسات الأمنية، وبالتالي فتحريك الشارع رغم ضآلة العدد يمكن أن يحرك الشارع الآخر ويودي بالبلاد إلى ما لا تحمد عقباه، وكل ذلك يعني أن عون يقود البلد إلى وضع مأزوم وينفذ مصلحة معينة للوصول إلى مؤتمر تأسيسي وهذا ما ستكشفه الأيام«.
ويشير ناصر إلى أن «الوضع يزداد تعقيداً على المستوى السياسي، والمطلوب من الفرقاء تسهيل الأمور لإيجاد المخارج على الرغم من الاختلاف الحاصل على الملفات الداخلية والإقليمية، لكن الأولوية تبقى في الحفاظ على الاستقرار والحفاظ على الحكومة، لأننا وبسبب الفراغ الرئاسي والشلل النيابي علينا الحفاظ على ما يدفع الدولة إلى الأمام، بالرغم من إقرارنا بأن التعبير عن الرأي هو حق دستوري لكننا نعيش أزمة سياسية، ليس التظاهر هو سببها فقط، بل بسبب خلافنا على الملفات الإقليمية وعلى كيفية مقاربة الملفات الداخلية، وهذا الأمر يتطلب منا النظر إلى الأمور مدركين ما يحصل في المنطقة وهذه المسؤولية تقع على الجميع».