لا تودي المعادلة اللبنانية عادة باللاعبين الى غالب أو مغلوب. التسوية سيدة الموقف. والتسويات صفقات، تجرى ما بين المتحكمين بالعباد وبكل مسارات الأمور في البلاد. وفي التسويات يتقاسمون الحصص، ويقع الخلاف في كل مرة يطمح أحدهم الى الفوز بحصة أكبر من الحصة المقرّرة له. الظلم يؤدي الى انفجار، أو ثورة، أو حرب أهلية، كما حصل في لبنان مراراً عبر التاريخ. وقد انخرط في الحرب من شعروا أنهم خائفون على مصيرهم، او مضطهدون، أو محرومون ومستضعفون. ثم ما لبثوا أن ارتضوا الاتفاقات المعقودة برعاية خارجية بعدما أعيد توزيع الجبنة بشكل أكثر عدالة. والحقيقة تقال إن الموارنة فازوا على الدوام، قبل الحرب، بحصة الأسد، منذ قيام دولة لبنان الكبير برعاية فرنسية خصوصاً.
لكن الذي حصل بعد انتهاء الحرب، ورفض مسيحيين الدخول في تسوية اتفاق الطائف، بعدما اعتبر البعض أنها مجحفة، هو أن المسيحيين في شكل عام، دفعوا ثمن هذه الانتفاضة على قرار دولي، فتم سجن سمير جعجع، ونفي ميشال عون وأمين الجميل (مع حفظ الألقاب)، وهم الأقوى والأكثر تمثيلاً على الساحة المسيحية، سواء اعترف بهم البعض وأحبهم أم لا، ولم يعط البطريرك مار نصرالله بطرس صفير ما يستحقه جراء موافقته على الطائف، إذ أنه رفض الوصاية السورية مدخلاً الى تطبيق الطائف، فكانت محاولات لإقصائه سياسياً.
أما اليوم فالواقع مغاير تماماً، وهو ما دفع الى التقارب ما بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، اذ ان التحالفات التي أعطت هذا الطرف أو ذاك، بعض مقاعد نيابية بأصوات السنة أو الشيعة، لم تبدل كثيراً في الواقع الذي نشأ في زمن الوصاية. فلم يمضِ الأطراف بقانون انتخاب يناسب المسيحيين، وموقع رئاسة الجمهورية شاغر، وقد حكم الرئيس ميشال سليمان ست سنوات من دون أن يتم تعديل الدستور لمصلحته ليصار في كل وقت الى استغلال هذه النقطة اللادستورية والضغط عليه.
في الأيام الماضية، بدأت حملة ترويج للنائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية، لتعميق الخلاف بينه وبين العماد عون، وفك التحالف بينهما، وكرد على “إعلان النيات” بين عون وجعجع، وجاء لقاؤه بالرئيس سعد الحريري، كأنه تهديد لطرفي “إعلان النيات” أكثر منه رئاسياً.
وسواء تم الاتفاق على اسم محدد للرئاسة الأولى، أو كانت مناورات سياسية، فإن الأكيد أن ما يجري منذ زمن، يهدف الى اغتيال العماد عون سياسياً، فهو لم يصبح رئيساً على رغم الدعم المعلن له، ولم يتمكّن من تعيين قائد للجيش، ولا من التمديد لصهره العميد (المتقاعد حالياً) شامل روكز، ولا تمت مناقشته في قانون الانتخاب، وتشن الحملات على صهره الآخر الوزير جبران باسيل من كل حدب وصوب. كأن المراد اغتياله سياسياً، وتوجيه رسالة مماثلة الى جعجع، وإسقاط كل محاولة مسيحية للانتفاضة على الواقع المرير.