Site icon IMLebanon

إسرائيل وإيران و”الحزب”: تَحدّي استخدام السلاح

 

 

ستكون مرحلة ما بعد الرد الإيراني على إسرائيل مختلفة عما قبلها في الشرق الأوسط. فقد سمح الرد بجلاء بعض النقاط الغامضة في الصراع، وأتاح تفسيرات جديدة لبعض المفاهيم، سياسياً وعسكرياً.

عندما تجرّأ الإسرائيليون على تنفيذ ضربتهم لمبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، خارقين الخطوط الحمر، أجبروا طهران على القيام بخطوة تُعيد إليهم الهيبة التي جرى المسّ بها.

 

كان أمام طهران 3 خيارات: إمّا أن تقوم هي نفسها بالرد كما حصل، وإما أن توكل المهمة إلى الحلفاء، لا سيما «حزب الله»، وإما أن تعتمد الخيارين في آن معاً.

 

في الواقع، لا تريد طهران في أي شكل وقوع مواجهة مباشرة بينها وبين إسرائيل في الوقت الحاضر. وكذلك، هي تتجنب التسبّب بهجوم تنفذه إسرائيل ضد حلفائها الإقليميين- في لبنان خصوصاً- لأن ظروفهم حساسة.

 

وفي النهاية، اختارت إيران طريقة مثيرة في الردّ. فهي بادرت إلى كشف موعد إطلاق الصواريخ والمسيرات. وعلى مدى الساعات التي استغرقتها العملية، أُتيح لإسرائيل أن تتأهب، وللولايات المتحدة والأطلسيين والعرب أن يتصدوا لها قبل بلوغها الأهداف. وللتطمين، سارعت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة إلى التأكيد، قبل وصول الصواريخ والمسيرات إلى أهدافها: هذا كل شيء، فلا داعي لتردّوا علينا.

 

وبالفعل، أدرك الإسرائيليون مغزى الرسالة. ولذلك، هم ليسوا اليوم في صدد الرد بالمِثل. لكن هذا لا يمنعهم من استغلال العملية الإيرانية التي تخطّت أيضاً الخطوط الحمر بالنسبة إلى «أمن إسرائيل» افتراضياً، ليحصلوا على المزيد من التعاطف الغربي معهم، كدولةٍ «مهددة بأن تُرمى في البحر»، وعلى المزيد من المليارات والسلاح.

 

الأهم، بعد الرد الإيراني، هو أنّ تغييراً طرأ على مفهوم «السلاح»، سواء كقوة حاسمة في الهجوم أو كقوة رادعة في الدفاع. ففي الواقع، لم يستخدم الإيرانيون مسيّراتهم المتطورة وصواريخهم البالستية بطريقة تقليدية، أي من أجل إصابة أهداف في إسرائيل وإيقاع خسائر بشرية ومادية في البنى العسكرية أو الاقتصادية. فقط، أرادوا استخدام «وهج السلاح» لِثَني الإسرائيليين عن المضي في تجاوز الخطوط الحمر ضد قادتهم ومواقعهم العسكرية.

 

بالتأكيد، هذه المئات من الصواريخ والمسيرات المتطورة، التي عبرت أكثر من 1200 كيلومتر لتبلغ أهدافها، لو استخدمها الإيرانيون بقدراتها الحقيقية، لكانت كفيلة بإلحاق أضرار هائلة بإسرائيل ومنشآتها. لكن هذا الأمر لم يكن مطلوباً، بل لم يكن ممكناً تقنياً، لأنّ الصواريخ والمسيرات يجب أن تُطلق من أماكن قريبة، كلبنان مثلاً، لتحقق المباغتة وتصيب أهدافاً ذات شأن. وهذا الأمر تجنّبته إيران.

 

ولكن، ليس الإيرانيون وحدهم عاجزين عن استخدام السلاح بقوته الكاملة في المواجهة مع إسرائيل، بل الإسرائيليون أيضاً. فمنذ أن باشرت طهران بناء مشروعها النووي، يعمل الإسرائيليون ما في وسعهم لإحباطه، وقد نفذوا عمليات استخبارية وعسكرية عديدة، بمساعدة الأميركيين في محاولة لتحقيق هذا الهدف. إلا أنّ ضرباتهم بقيت محدودة الأثر، ولم تنجح محاولاتهم في إقناع الأميركيين بتنفيذ ضربات عسكرية تدمّر هذا المشروع على غرار ما فعلوه في العام 1981، عندما دمّروا في العراق مفاعل «تموز».

 

إذاً، يعاني الطرفان الإسرائيلي والإيراني مأزق استخدام السلاح. وفي الحد الأقصى هما يستخدمان «وهج» هذا السلاح. واستطراداً، وحتى إشعار آخر، لا يمكن لحلفاء إيران الإقليميين الذهاب بعيداً في استخدام ما يملكونه من سلاح متطور ضد إسرائيل. وهذا واضح في جنوب لبنان حيث يكتفي «حزب الله» بتوجيه ضربات محددة ومحدودة في محاذاة الحدود، على رغم امتلاكه ترسانة قُدّرت بعشرات الآلاف من الصواريخ المتطورة والقادرة على بلوغ أعماق إسرائيل ومنشآتها العسكرية والاقتصادية الحساسة. والسبب هو إدراك «الحزب» أنّ استخدام هذه الصواريخ، بقدراتها الحقيقية، وفي المناطق الحساسة عسكرياً أو اقتصادياً أو سكانياً، سيُحتِّم رداً إسرائيلياً مجنوناً يؤدي إلى تدمير لبنان كما في نموذج 2006. وعلى رغم الخسائر التي يتكبدها «الحزب» في موازاة حرب غزة، فإنه لا يريد الانزلاق إلى استخدام القدرات الصاروخية الهائلة التي يمتلكها، لِما لذلك من عواقب.

 

إذاً، المتصارعون جميعاً في الشرق الأوسط يمتلكون الترسانات الثقيلة، لكنهم لا يستخدمونها وقد لا يخرجونها من المخازن في أي يوم، تماماً كما هي حال القنابل النووية في العالم. لكن الجميع يستخدم «وَهج» هذه الترسانات ليُحصّل ما أمكن من مكاسب في المساومات السياسية.