منذ أعلن الوزير أشرف ريفي، في 20 شباط الماضي، أن الموافقة على الاستمرار في هذه الحكومة هي «موافقة على الانحراف أو على الأقل عجز عن مواجهته»، وتداعيات الاستقالة لم تنته بعد.
بعد شهرين من الاستقالة، وبعدما عاين ريفي «ما يعجز اللسان عن وصفه.. من جراء ممارسات دويلة حزب الله وحلفائه»، يكثر الحديث عن عودة قريبة له عن استقالته، بالرغم من أنه يكرّر أمام سائليه أنه لا يزال يرفض أن يكون شاهد زور.
في جلسة لجنة الإدارة والعدل قبل الأخيرة، حضر ممثل لوزارة العدل. سأله النواب عمّن كلفه تمثيل الوزارة فجاء الجواب: الوزير أشرف ريفي. لم يفهم كثر من النواب كيف يمكن لوزير فقد صفته أن يرسل ممثلاً عنه إلى اجتماع رسمي. وهم إذ طالبوا بتوضيح رسمي، فقد كان اعتراضهم كافياً: كيف لا يحضر ممثل للوزارة في الجلسة التي تلت. إلا أن هذه الإشكالية لم تكن وحيدة. ريفي يمارس عمله من مكتبه، منذ أكثر من شهر. يوقع على معاملات الوزارة، ويعيد توقيع المعاملات التي وقعتها الوزيرة الوكيلة المكلفة بمرسوم حكومي.
رئيس الحكومة غائب عن الحسم. لا أحد يعرف لماذا ترك الأمر خاضعاً للاستنساب والتفسيرات المتناقضة، لكن الأكيد أن الخطوة خلقت إشكالية سياسية – قانونية لم تنته مفاعيلها بعد.
وإذا كان الحريري لم يهضم خطوة وزيره غير المنسقة في حينه، فيبدو أن هذا الموقف لم يتغير بعد، وقد أكد عليه مستشاره غطاس خوري منذ يومين، بتذكيره أنه «عند تشكيل الحكومة تفاوض الحريري مع التيار الوطني الحر من أجل توزير ريفي الذي كان عليه اعتراض، وتيار المستقبل هو الذي وزره». وقد أشار خوري إلى أنه كان عليه إعلام «المستقبل» قبل الاقدام على استقالته.
وإذا كان التيار ما زال عند موقفه، وإذا كان ريفي لا يرد على اتصالاته منذ عودته من السعودية، إثر زيارة قيل إنها لم تكن مثمرة، فإن العودة عن الاستقالة تفتح الباب أمام تعقيدات أكثر بكثير من تلك التي خلقها عدم إصدار مرسوم قبولها.
وبالرغم من أن الدستور لا يتضمن أحكاماً واضحة حول إمكانية الرجوع عن الاستقالة أو الحاجة إلى قبولها من مجلس الوزراء، فإن مرجعاً قانونياً يؤكد لـ «السفير» أنه طالما أن الدستور لم يتضمن أي قيد على استقالة الوزير، فإنها تكون مطلقة وتنتج مفاعيلها فور تقديمها. وهذا الأمر يسري أيضا على استقالة رئيس الجمهورية واستقالة النائب، الذي تعتبر استقالته نهائية فور أخذ المجلس علماً بها (المادة 17 من النظام الداخلي للمجلس النيابي). وانطلاقاً من المنطق نفسه، يرى المرجع أن استقالة الوزير تسري بمجرد تقديمها، ذلك أن منصبه هو منصب سياسي ويقتضي أن يمارس مهامه بحرية مطلقة، بعكس الموظفين الذين يفترض أن يحصلوا على موافقة رؤسائهم على استقالتهم. أضف إلى ان رئيس الحكومة ليس الرئيس التسلسلي للوزراء، بل هما معاً جزء من السلطة التنفيذية، وإذا قرر الوزير الاستقالة، لا يملك رئيس الوزراء خيار رفضها.
ويؤكد المصدر أن قبول الاستقالة المنصوص عليه في المادة 53 من الدستور (يصدر رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم)، هو إشارة إلى الآلية التي يصدر بها قرار الاستقالة، وهو مرسوم إعلاني لا إنشائي. أما الفاصل الزمني بين تقديمها ومرسوم قبولها فلا يلغي مفاعيلها، وعدم جواز إصدار مرسوم استقالة الحكومة إلا يوم تعيين رئيس وأعضاء الحكومة الجديدة، لا يلغي كونها حكومة تصريف أعمال فقط.
ولأن الاستقالة نهائية منذ لحظة تقديمها، فإن الرجوع عنها غير ممكن. ويستشهد المصدر القانوني برأي لمجلس الخدمة المدنية الذي وجه كتاباً إلى وزارة المالية في العام 2011، يؤكد فيه عدم جواز قبول الاستدعاء المقدم من أحد الموظفين ويطلب فيه العودة عن استقالته، لأنه فقد صفته الوظيفية لحظة استقالته، بالرغم من أنه لم يصدر مرسوم قبولها (اعتبرت مقبولة حكماً لأنها لم ترفض في غضون شهرين من تاريخ تقديمها).
فيما يتعلق بتصريف الأعمال، فهو ليس من صلاحية الوزير، بحسب المصدر، ذلك أن الدستور يخص الحكومة بمسألة تصريف الأعمال وليس الوزير. أي أن الدستور يميز بين استقالة الوزير وبين استقالة الحكومة. وهو ما يبدو جلياً في المادة 69 منه، التي نصت على أن تعتبر الحكومة مستقيلة إذا استقال رئيسها أو إذا فقدت أكثر من ثلث أعضائها. وفيما يستمر رئيس الحكومة على رأس حكومة تصريف الأعمال، لا يسري الأمر نفسه في حال استقالة ثلث الأعضاء، حيث لا يحق للوزراء المستقيلين أن يشاركوا في تصريف الأعمال، بل تناط صلاحياتهم بالوكالة إلى الوزراء أو إلى رئيس الحكومة.