من الصعوبة بمكان أنْ يمضي حدث معيّن على الساحة اللبنانية دونما الشعور بتأثير الحالة الإقليمية على الداخل اللبناني وبطريقة أو بأخرى على واقع الأمور في الجمهورية اللبنانية. كل لبناني يقضي كثيراً من أوقاته إمّا لتأمين مستلزمات حياته المعيشية أو الإستشفائية، وإما هربًا وخوفًا من آلة الدمار التي تلاحقه، ويدفع ثمنها تدميرًا في البُنى التحتية، ومواطنون يُقتلون بالجملة.
إنّ الذين يُمارسون العمل السياسي عمليًا هم غير أصحاب إختصاص في علم السياسة، ويُحدثون بلبلة تُخِّلْ بالأنظمة بإختلاف طبيعتها، سواءً أكانت ذات طبيعة نظام رئاسي أو نظام حكومي. فوضى كبيرة تُرافق السياسيين وأضرارهم باتت قاتلة على مستوى الشعوب والدول وأجهزتها الرسمية. في المشرق هناك ساسة يفتقرون إلى الإختصاص العلمي السليم، وكثير منهم يحيا على هامش الفكر السياسي وأفعاله السياسية لا تضمن مصالح الناس، وتختلف درجات تنظيم أفعالهم وفي غالبيتها سياسة فاشلة على كل المستويات، منها لناحية المنظومة السياسية التي تُنتهج إلى الواقع الأمني غير السليم، إلى حراجة الأوضاع الإقتصادية والمالية والإجتماعية.
في الواقع، انّ الوعي السياسي لم يبلغ هذه الدقّة في الممارسة، وإنّ دراسة الفكر والعلم السياسي لدى من هم في سدّة المسؤوليات تظهر انّهم لم يصلوا إلى تطوّر فكري موضوعي، وحكم المجتمعات وفقًا للآليات القانونية، والتي أوصلت إلى مجتمعات متناقضة متقاتلة مُحتّلة في بعض الأحيان. هذه الممارسة لم ولن تترك أثرًا سليمًا في كل المجتمعات الموجودة في هذا المشرق. إنّ الفكر السياسي لدى قادة الرأي تغيب عنه المصلحة العامة وتطغى عليه المصالح الخاصة ودور السلطة في تأليب الرأي العام، مما يؤكّد أنّ الرأي العام في دول المشرق مُضلّلْ ومُقسَّمْ.
من المتعارف عليه في كل الأنظمة السياسية الأكثر ديموقراطية، هناك جزء من المواطنين يتمتّع عمليًا بوضع مميز، وهذا ما يُعرف بـ«نظام الطبقات»، وهذا الأمر يؤدي في بعض الأحيان إلى نوع من الغبن تجاه المواطن الآخر. ومن المفترض ألاّ يكون هناك تمايز بين مواطن وآخر. فالمواطن هو مصدر السلطة، ولا يمكن أن يكون إلاّ حرًا في تصرفاته و قناعاته وتصل إليه حقوقه بلا أي تمييز.
«علم السياسة» يعتبر الشعب جزءًا مهمّاً من مفهوم الفكر السياسي، وفي اللغة العلمية للعلوم السياسية إنّ سيادة الشعب على أرضه هي سيادة تامة وناجزة وغير منتقصة، وغالبية الدساتير في الدول تعتبر أنّ شعوبها هي سيدّة على نفسها لا شريك لها في أي أمر، كما تقِّرْ هذه الدساتير «حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب».