بوابات الحلول للإستحقاقات المطروحة مُقفلة بانتظار إنتهاء حياكة التسوية في المنطقة
الإشتباك السياسي بين عين التينة والرابية يبقى تحت سقف ضوابط التحالفات
إن المتابع لمسار الأحداث في المنطقة، والمواقف اليومية التي تطلق على لسان أكثر من مسؤول لبناني يُدرك بأن بوابات الحلول للإستحقاقات المطروحة ما تزال مقفلة بدءاً بانتخاب الرئيس وصولاً إلى وضع قانون جديد للإنتخابات النيابية، وأن الوضع اللبناني بمختلف مندرجاته السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية لن يغادر في وقت قريب مربّع القلق والإرباك والتراجع، وأن منسوب الخوف من وصول نار المنطقة إلى أطراف الثوب اللبناني بدأ بالإرتفاع وهو مبرّر بالرغم من التطمينات الداخلية والخارجية بأن لبنان سيبقى في منأى عمّا يجري في محيطه والتي هي غير مسندة إلى وقائع عملية تجعل المواطن اللبناني يطمئن إليها ويرتاح باله، سيّما وأنه من المعروف عن أن كل الوعود تتلاشى أمام المصالح على قاعدة المثل الشعبي القائل: «عند مصالح الدول إحفظ رأسك».
وبالرغم من الإشارات التي يبعث بها الرئيس نبيه برّي يومياً بضرورة التفاهم على الرئيس وذهابه إلى التحذير من أن ثمرة هذا الاستحقاق قد نضجت وأنه يخشى سقوطها ما لم تُقطف في الوقت المناسب، فإن الجلسة الـ37 المقررة لانتخاب الرئيس اليوم ستكون نسخة طبق الأصل عن الجلسات التي سبقتها باختلاف بسيط من حيث زيادة عدد النواب الذين سينزلون إلى المجلس من دون أن يغّير ذلك من المضمون ولو قيد أنملة، وهو ما يعني أننا سنبقى أمام ضرب المواعيد تلو المواعيد لعقد جلسات الانتخاب إلى أن يدق الجرس الإقليمي والدولي إيذاناً بانتخاب الرئيس بعد أن تكون التسوية التي تعدّ لأزمات المنطقة وعلى وجه الخصوص سوريا قد انتهت وبدأت عملية تنفيذها على أرض الواقع، وإلى ذاك الحين فإن الساحة الداخلية ستبقى عُرضة للهزات السياسية حتى داخل البيت الواحد على غرار ما يحصل بين عين التينة والرابية والذي من غير المنتظر أن يتفاقم وهو سيبقى حتماً تحت سقف الضوابط التي تفرضها التحالفات الموجودة، حيث أن «حزب الله» يبذل قصارى جهده في هذا المجال في محاولة لتقريب وجهات النظر وإزالة الشوائب التي تعتري العلاقة بين الرئيس نبيه برّي والعماد ميشال عون حول طريقة مقاربة بعض الملفات.
اما على المستوى الخارجي وتحديداً في ما خص الزيارات الدولية إلى لبنان فإن مباحثات الموفدين تتركز على ملف واحد وهو النازحين السوريين وأن الاستحقاق الرئاسي يقاربونه من باب رفع العتب حيث لا يعتبرونه أولوية على الإطلاق، ومن هنا فإن مصادر سياسية متابعة ترى ان زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم غدٍ الخميس إلى لبنان لا تخرج عن إطار المجاملة، وهي ليست في وقتها ولن تكون ذات جدوى الا إذا فرضت التفجيرات في بلجيكا وضعاً معيناً تجعل المسؤول الأممي يحدث تعديلات على جدول أعماله في لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين التي لن تقدّم أو تؤخّر في ما خص الانتخابات الرئاسية.
وتضع المصادر أي كلام في ما خص الانتخابات الرئاسية في لبنان بمعزل عن تسوية المنطقة بأنه لا يتجاوز اضغاث الأحلام حيث بات من الثابت بأن الأزمة الرئاسية لا يمكن فصلها عن الأزمة السورية، وبالتالي فإن أي تقدّم على مستوى حل الأزمة في سوريا سيؤدي إلى تقدّم ما في ما خص الرئاسة اللبنانية، ناهيك عن العلاقة المأزومة بين الرياض وطهران والتي بدورها تشد على خناق الاستحقاق الرئاسي بفعل التركيبة اللبنانية الموجودة، وأن ترميم الجسور بين هذين البلدين سيساهم إلى حدّ كبير في إنجاز الاستحقاق الرئاسي وغيرها من الاستحقاقات الموجودة على رف الانتظار، وهذا ما يعول عليه الرئيس نبيه برّي كنافذة وحيدة في الوقت الحاضر لولوج الانتخابات الرئاسية ودخول لبنان في رحاب التفاهمات السياسية.
وإذا كانت الهجمات الإرهابية في بروكسيل قد فعلت فعلها على مستوى القارة الأوروبية، فإن المصادر لا ترى ان هذا الأمر سيؤثر إلى حدّ كبير على الحياكة الأميركية – الروسية للتسوية السورية التي قد احرزت بعض التقدم في الأيام الماضية وهي ربما تصل إلى وضع عناوين تفاهم في اللقاء المرتقب بين وزيري خارجية البلدين في روسيا اليوم حيث سيبحث الجانبان في النقاط التي تؤدي إلى تثبيت الهدنة التي تميل إلى الهشة برغم الرضى الدولي عليها تمهيداً إلى فتح الطريق امام الحل السياسي ووقف الأعمال العسكرية، وفي حال وصلت الأمور إلى هذه النقطة فإن عقبات كثيرة تكون قد ازيلت من امام حل الأزمة الرئاسية في لبنان، حيث ان العامل الإقليمي والدولي يعود ليصبح على السمع بعد غياب لأكثر من سنتين، ويدرج لبنان مجدداً على خارطة الأولويات الدولية بعد ان وضع على الهامش بفعل ما استجد على المشهد الإقليمي، وهذا بالتأكيد لن يكون بين ليلة وضحاها وهو ربما يستغرق وقتاً اضافياً.
من هنا فإن المصادر السياسية ترى ان على اللبنانيين التقاط أي فرصة سانحة لترتيب البيت الداخلي وعدم التماهي مع مصالح بعض الدول على حساب المصلحة اللبنانية كون ان ما يجري في المنطقة هو محاولة لاستبدال «سايكس بيكو» بأخرى، وهذا يعني ان خارطة المنطقة سيتم العبث بها وأن أكثر الخاسرين ستكون تلك الدول الغارقة في النزاعات والصراعات الداخلية حيث لن يكون في مقدورها مقاومة «المقص» الدولي الذي سينال من سيادتها في إطار العمل على تركيب «بازل» المنطقة من جديد.