تتهم الثورة أو أكثريتها الساحقة على الأقل كل الطبقة السياسية بالفساد. وغالباً ما يخرج أصوات من جماهير أحزابها وتياراتها دفاعاً عنها مطالبين باثباتات عن هذه الاتهامات. والاثبات أنواع، إما أن يكون هناك مستند أو أن يكون هناك اعتراف أو أن يكون هناك تلبس بالجرم المجهود… أما إذا كانت الطبقة السياسية تمنع استقلال القضاء وتمنع التحقيق، الذي لا يطال اللامسؤولين السياسيين، كما في جريمة تفجير المرفأ، فإن أبسط اثبات هو واقع الحال، وهو ما يصيب الناس في حياتهم اليومية! والجريمة يمكن أن تبدأ بالنية الجرمية لتصل الى الفعل الجرمي، أو أنها تكون نتيجة إهمال جرمي على الأقل.
أسئلة كثيرة يمكن طرحها على الشعب اللبناني. هل يحتاج تفجير المرفأ للإثبات أن هناك جريمة قتل طالت 203 ضحايا ارتكبها كل من كان يعلم بنيترات الأمونيوم من اللامسؤولين السياسيين والأمنيين؟!
هل تحتاج بداية دخول لبنان الى التجربة الايطالية في الكورونا وفقدان الأدوية وشبه انهيار للنظام الاستشفائي والصحي الى إثبات عن جريمة الحكومات المتعاقبة ووزراء الصحة المتعاقبين؟!
هل يحتاج اختفاء أموال المودعين من المصارف لاثبات أن ما يحصل بحق كل من المودعين، وكل من المواطنين هو جريمة ارتكبها اللامسؤولون السياسيون في الحكومات المتعاقبة ووزراء المالية بالاضافة الى حاكم مصرف لبنان والى أصحاب المصارف؟!
هل يحتاج الذل «الكهربائي» للإثبات أن وزراء الطاقة المتعاقبين هم مسؤولون جرمياً (مع خصومهم الذين يتهمونهم بالعرقلة) عن كل معاناة اللبنانيين وعن نصف هدر المال في خزينة البلاد؟!
هل تحتاج أزمات النفايات المتعاقبة والمتواصلة وتحويل الشاطىء اللبناني الفائق الجمال والأهمية الى مكب عملاق للنفايات ومصب للمجارير الى إثبات عن الجرائم التي ارتكبتها المجموعات السياسية، وبينهم معظم وزراء الداخلية والبيئة المتعاقبين التي حولت النفايات الى محميات مالية، كغيرها من الملفات في مجلس الانماء والاعمار وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب وسوليدير وإدارة الجمارك والمرفأ وإدارة إنشاء السدود والتوظيفات العشوائية…؟!
هل يحتاج «تهشيل» السياح وبخاصة الإخوة العرب الى إثبات عن جرم أهل السلطة، وبينهم معظم وزراء الخارجية المتعاقبين بحق اللبنانيين واقتصادهم؟ وهل يحتاج إفساد كل علاقات لبنان الخارجية، وبخاصة العربية منها وبالتالي كل بوابات خلاصه العربية والدولية، القادرة على مساعدة اللبنانيين للخروج من أزمتهم الى إثبات، في حين أن مواقف الحكومات ووزراء الخارجية المتعاقبين كانت تحت سيطرة «محور الممانعة» وضد الإخوة العرب، والشتائم مستمرة بحقهم على كل الشاشات، بالتزامن مع «ترجيهم» لمساعدة لبنان!
كثيرة هي ملفات الفساد التي يكفي فيها الاثبات معاناة الناس اليومية وقهرهم وذلهم. «كلن تقاسموا الجبنة مع كلن. كلن غطوا كلن. كلن تحالفوا مع كلن». الوصول الى جهنم هو الاثبات الكافي للشعب لفساد أهل السلطة الحاكمة جميعها. ووجع الناس هو الاثبات الكافي لفساد أهل السلطة، الذين أثبتوا أنهم هم المشكلة. وبالتالي، لا يمكتهم أن يكونوا جزءاً من الحل. والحل يكون بإعادة إنتاج السلطة، وببداية «العهد الجديد» للبنان!