تتوالى السيناريوات والسيناريوات المضادة حول انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، الذي يدور في حلقة مفرغة، والافرقاء جميعاً لا ينفكون عن الحديث عن الازمة البالغة التعقيد التي وصل اليها لبنان وعلى المستويات السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية كافة، بل والامنية التي عادت تطرق الأبواب اللبنانية عبر المعابر البرية على الحدود الشرقية كما وعبر »الخلايا الارهابية« النائمة والتي بدأت تصحو تدريجياً في منطقة من لبنان على رغم انجازات القوى الامنية والعسكرية اللافتة في الكشف عن هذه الخلايا واعتقال عناصر تابعة لها او مواجهتها بالسلاح..
لقد كانت جريمة اغتيال الرقيب أول في الجيش اللبناني خالد عز الدين في عرسال، وهو ابن هذه البلدة، على يد مسلحين ملثمين أحدهما من أبناء عرسال والآخر سوري قيل إنهما ينتميان الى »داعش« رسالة أمنية بالغة الدلالة والخطورة وقد شكلت خرقاً، لم يكن من الممكن السكوت عنه وغض النظر عما يجري في جرود عرسال وسائر الجوار، من القاع الى رأس بعلبك.. فعمد الجيش اللبناني الى القصف بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ مواقع المسلحين في جرود القاع ورأس بعلبك »بعد رصد تحركات مشبوهة« هذا إضافة الى التوقيفات اليومية المتتالية لمشتبه بهم، سرعان ما يعترفون بانتمائهم الى تنظيمات إرهابية..
يتصرف الافرقاء اللبنانيون في غالبيتهم الساحقة وكأن »لبنان بألف خير« وهو قادر على ادارة أزماته بمعزل عن تداعيات ما يجري في المحيط الاقليمي وتحديداً في سوريا والعراق، الدولتين اللتين تشهدان حراكاً دولياً غير مسبوق على الارض في مواجهة »داعش« و»النصرة« واخواتهما.. الأمر الذي عزز لدى القيادات العسكرية والامنية اللبنانية، قناعات ان المسألة أبعد من استعادة الموصل وتحريرها من سيطرة »داعش«..
ليس من شك في ان انتقال الحدث الارهابي الذي تمكن من اختراق القارات وحدود الدول والكيانات، باستهدافات كارثية، بات يشكل قلقاً غير محصور في منطقة ودولة وكيان، وأن لبنان الذي يحظى »بتطمينات دولية« وتفاهمات على ان يبقى خارج هذه المنازلات، لم يعد بعيداً عن النيران المشتعلة، الأمر الذي استدعى مكاشفة واضحة بين القيادات العسكرية والامنية اللبنانية وموفدين أجانب حضروا للوقوف على ما يجري على أرض الواقع وكيفية التعاون والمساعدة لدرء المخاطر الارهابية..
تؤكد مصادر عسكرية وأمنية »ان الاستنفار العسكري والأمني لمواجهة الارهاب والارهابيين في أوجه، إن عبر رصد الشبكات واعتقال أفرادها قبل تنفيذ مخططاتهم في الداخل، وأن عبر التصدي العسكري المباشر على الحدود، وقد كشفت التحقيقات مع الموقوفين، الذين اعترفوا بالانتماء الى »داعش« او الى »النصرة« وأنهم كانوا بصدد التحضير لتنفيذ عمليات انتحارية بواسطة الأحزمة الناسفة، او عبر سيارات مفخخة في الداخل اللبناني..
تتوزع شبكات الرصد العسكري والأمني وهي تمكنت من تعزيز التعاون مع القيمين على أمن ووضع المخيمات الفلسطينية في لبنان.. لكن في قناعة عديدين من المصادر الامنية ان المعابر الحدودية البرية عند الحدود الشرقية، وتحديداً في جرود عرسال ورأس بعلبك والقاع، لاتزال تحظى بأهمية قصوى تتجسد باستهداف تحركات المسلحين الذين تمكنوا من احداث خروقات في العديد من البلدات الحدودية« والجيش اللبناني يشدد من اجراءاته الامنية والعسكرية، وهو يضع في حساباته امكان ارتفاع وغيره المخاطر الحدودية مع اشتداد المعارك والمواجهات الدائرة في العراق وفي حلب وغيرهما.. حيث يضطر المسلحون الى الهرب في اتجاه الحدود السورية – اللبنانية، وهو احتمال تدرجه القيادات العسكرية والامنية في مرتبة متقدمة من حساباتها..
ليس من شك في ان المراوحة السياسية والفشل في انجاز الاستحقاق الرئاسي، وإن لم يحجبا الانجازات النوعية التي تسجلها المؤسسة العسكرية والمؤسسات الامنية، إلا أنهما تركا لدى هذه المؤسسات شعوراً بأن آخر همّ السياسيين هو مصلحة لبنان وأمنه واستقراره الذي استنفر العديد من دول العالم التي أوفدت الى لبنان تباعاً مسؤولين أمنيين وعسكريين للاطلاع علي عمل الأجهزة الامنية اللبنانية في مكافحة الارهاب بعدما حققت »انجازات نوعية في رصد وتوقيف العديد من شبكات الارهاب..«.
لا تتقاطع هموم ومشاغل القيادات العسكرية والامنية مع حسابات ومشاغل غالبية القيادات والافرقاء السياسيين.. وغير مرة أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وآخرون، »الاستمرار في المعركة ضد الارهاب، وبلا هوادة..« مع التشديد على ان »كل المحاولات الارهابية ستبوء بالفشل أمام صمود المؤسسات العسكرية والامنية والتفاف اللبنانيين من حولهما وتضامنهم معها..« الأمر الذي يعزز في قناعة كثيرين قول السيد المسيح مخاطباً »مرتا«: »مرتا، مرتا.. تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد..« هو الخروج من البلبلة والفوضى وحسم الخيارات وانجاز الاستحقاق الرئاسي في أقرب وقت.. وقد أفصحت التوقيفات الأخيرة عن مخططات كانت تستهدف تدمير وضرب موسسات في غير منطقة واغتيالات..؟!