هل فعلا ان ملف النفايات هو من اقام الدنيا ولم يقعدها وشكل الشعرة التي قصمت ظهر بعير الطبقة السياسية الموغلة في الفساد وفي حوارات تبدأ ولا تنتهي على خلفية تمرير الوقت لحين ظهور ثغرة في الافق الاقليمي تحدد اتجاه بوصلة المجريات في المنطقة من العراق المطروح تقسيمه من قبل الادارة الاميركية الى ثلاث دول سنية وشيعية وكردية وفق مشروع نائب الرئىس الاميركي جو بايرن، اضافة الى الازمة السورية التي دخلت منعطفاً جديداً اثر دخول «الجيش الاحمر» على خط مواجهة ومكافحة «داعش» وسط كباش اميركي ـ روسي يتصاعد، وبروز طروحات فيدرالية اثر اغتيال الشيخ وحيد البلعوس في السويداء واعلان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط عدم ممانعته في ادارة ذاتية للسويداء على غرار كوباني الكردية وما يعنيه الامر على صعيد «تقسيم المقسم» وفق ما تطرحه اوساط عليمة من اسئلة، حول علاقة الحراك الشعبي بالمحيط كون ما يحصل نسخة معدلة لما حصل في سوريا عشية انطلاقة «ربيع الموت العربي».
اذا ووفق معلومات الاوساط المذكورة ا ن اغلاق «مطمر الناعمة» ليس السبب الاساسي في اطلاق عملية الحراك المدني وتظاهراته، كون الطبقة الشعبية تأقلمت مع الفساد، وبدا ذلك واضحاً يوم خضعت مكونات «هيئة التنسيق النقابية» لارادة السياسيين فاخرجت قائدها حنا غريب من صفوفها وسكتت عن مطلبها الاساسي وهو سلسلة الرتب والرواتب وفي معلومات الاوساط نفسها ان اتصالات سياسية حاولت في اليومين الاخيرين سحب دعم هيئة التنسيق لتظاهرة يوم امس الاربعاء 9 ايلول وتنفيس الحشد الذي يتظلل سقف تيارات مستجدة ولدت على حين غرة من «الشعب يريد اصلاح النظام» اضافة الى حركة «بدنا نحاسب» المغطاة من احدى الفضائيات المحلية، الى «حراك الجبل» و«محكمة الشعب» و«لهون وبس»، وسط تفاؤل معظم المراقبين عمن يقف وراء استيلا كل تلك الحملات، اضافة الى عودة اليسار التقليدي الى الاستثمار في الشارع.
وتضيف الاوساط ان جهة خارجية معروفة تقف وراء الحراك للضغط على الطبقة السياسية لتحقيق عدة اهداف يأتي في طليعتها انجاز الاستحقاق الرئاسي، وتوجيه رسائل الى الجهات المحلية المحسوبة عليها بانها باتت عبئاً كونها لم تقدم منذ «ثورة الارز» المطلوب منها على الصعيد الداخلي، ولعل البارز ان مساعد الامين العام للامم المتحدة جيفري فيلتمان سارع اثر تظاهرة 29 آب الفائت الاعلان اثر جلسة لمجلس الامن «بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية» ما يطرح السؤال حول الصدفة التي ادت الى اقفال «مطمر الناعمة» بارادة جنبلاطية والصداقة المتنية بين الزعيم الاشتراكي وفيلتمان الذي يدلله جنبلاط بتسميته «الصديق جف».
وتشير الاوساط الى ان استعادة ملف النفايات من قبل «الحزب التقدمي الاشتراكي» وتخلي «تيار المستقبل» عن هذه الورقة يتيح لجنبلاط قطف انجاز الحلول له من خلال الوزير اكرم شهيب، وان الحراك المدني سينحسر لاحقاً على قاعدة انه حقق احد مطالبه، وما يشير الى ذلك ان كل حملات الحراك الشعبي لا تجمع على اجندة مطلبية موحدة حيث تختلط الامور المطلبية السياسية منها، فبعضها رفع السقف الى حدود «اسقاط النظام»، بينما تعارضها مجموعات اخرى على قاعدة التمسك بالواقعية لتحقيق المطالب الملحة او الممكنة.
وسط هذه الاجواء انعقدت طاولة الحوار التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما تحولت ساحة النجمة الى مربع امني عزل عن الوسط التجاري بالجدران الحديدية والاسلاك الشائكة وحشود القوى الامنية، معيداً الى الاذهان مقولة «الستار الحديدي» ايام الاتحاد السوفياتي ما يشير الى ان الطبقة السياسية في مكان والمتظاهرين في مكان آخر، فهل تكون طاولة الحوار مدخلاً لـ«مشكل سياسي» اكبر ام مخرجاً لحلول آنية بهدف تمرير الوقت وهل ينسف الـ «ديوك» الحوار بفعل خلافاتهم الحادة لا سيما ان كلام بري عن «امكانية الغائها» اذا غاب مكون آخر الى جانب «القوات اللبنانية» يحمل مضامين كثيرة ومنها انه قد يكون اخطأ اعتلام اللحظة اقليمياً لبدء حوار لانتاج الرئىس العتيد.