بدا الحضور النيابي في الجلسة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية وكأن معظم من وجد في المجلس لم يكن قد حسم موقفه من الموضوع، لان اللعبة السياسية لا تزال غائبة تماما كمناسبة دستورية لا مجال ان يكتمل عقدها المؤسساتي مهما تغيرت الاعتبارات الميثاقية المرهونة ببعض المواقف التي لا مجال لان تؤخذ من الزاوية القانونية التي تحتاج بدورها الى من يفسرها بمعزل عن الخصوصيات التي تندرج في سياق مصالح اقليمية ودولية يعرف الجميع ان نوابنا منساقون وراءها حتى كسر العظم ان اقتضت الحاجة (…)
وعلى الذين يشككون بما نحن فيه في لبنان من تعقيدات سياسية ومذهبية ودستورية – قانونية، لا بد من ان ترد اسماؤهم ومواصفاتهم في سياق تحديد ما هو مرجو من ضمن اللعب السياسية، من غير حاجة الى القول ان نواب الامة في غير وارد الى اين يمكن ان يصلوا في الاجتهاد الذي من الضروري ان يؤدي بهم الى انتخاب هذا المرشح وليس الاخر؟!
من هنا بدت الجلسة 44 وكأن الجميع معها، لكنهم ليسوا مع الانتخاب المرجو، طالما ان الظرف لم يحن بعد، لعدة اعتبارات في مقدمها عدم التقاء الاقطاب من 8 و 4 اذار على اسم معين لان الذين يهمهم تحديد الاسم غير مستعدين لان يعطوا كلمة السر كي لا يقعوا في مطبات من تختلف مصالحهم مع المصلحة الوطنية لان اي تصرف يجب ان يحسب بميزان سياسي لا غبار عليه، فيما يعرف الجميع ان التجربة السابقة كانت غير مشجعة، لان الذين تكتلوا وراء المرشحين في غير وارد التراجع عن النهج المعروف عنهم بصريح العبارة؟!
لقد تحمل في الجولات الانتخابية الاولى (تحت الرقم عشرة) ان لا مجال لانتخاب رئيس من بين من كان في هذا الصف السياسي او ذاك، الى ان تبين بعد انسحاب رئيس حزب القوات اللبنانية من المعركة انه لم يسهل الاجواء بقدر ما زادها تعقيد، خصوصا عندما انصب الخيار في صفوف 14 اذار على مرشح من الثامن من اذار هو النائب سليمان فرنجية الى ان تبين ان الامور ذهبت باتجاه اكثر سلبية، طالما تعذر تأمين النصاب القانوني جريا على عادة تجنب الحضور الى مجلس النواب لان من لم يكن مع جعجع ذهب باتجاه خيار رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية (…)
اما الذين لم يقطعوا الامل الذي بشر به رئيس مجلس النواب نبيه بري فقد ظهرت عليهم عوارض «قطع الامل» من كل ما له علاقة بالانتخابات الرئاسية، حيث هناك مجموعة اراء من الصعب بل من المستحيل ان تلتقي على مرشح واحد، قبل ان تعرف الصورة التقريبية للحرب في سوريا والعراق واليمن، اقله لان الانغماس الايراني يشكل مزيدا من انغماس حزب الله الى جانب الايرانيين الذين يهمهم بقاء لبنان من دون رئيس بانتظار وضوح الرؤية الدولية من التطورات الانفة الذكر، لاسيما ان الحرب في سوريا تطورت اخيرا باتجاه تصعيدي جراء دخول تركيا بثقلها السياسي والديبلوماسي والعسكري، الى جانب من ليس بوسعه ابعاد رجب طيب اردوغان عن السعي الى الافادة الاقليمية؟
ومن الان الى حين حصول تطور سياسي بارز ولافت على صعيد لبنان يبقى هناك من يجزم بأن المنصب الرئاسي الشاغر في لبنان لن يعالج في المستقبل المنظور، قبل ان تتوضح معظم التعقيدات الداخلية والخارجية في وقت واحد، اضف الى ذلك ان مشكلة الحكومة السلامية بدأت باستقطاب الاهتمام الداخلي الى الحد الذي يهدد مصير السلطة التنفيذية ومعها السلطة التشريعية العالقة عند عدم انتخاب رئيس للجمهورية وعند الشلل المخيم على مجلس النواب الذي لم يحقق اي تقدم في مجال اعداد قانون جديد للانتخابات الرئاسية، ما يجعل المجلس في حال من الشلل المخيف؟!
امام هكذا مشهد سياسي غير واضح المعالم، من المستحيل الكلام على اي توقع بالنسبة الى موضوعين محددين الاول الانتخابات الرئاسية والثاني تصحيح الخلل في حكومة الرئيس تمام سلام الذي يعاني الامرين جراء التفكك الوزاري الواضح والصريح بين اركان حكومته ممن لم يجدوا حرجا في جعل الحوار الفاشل بينهم، حالا مستحيلة العلاج، طالما ان كل طرف يبحث عما يلبي وجهة نظره ويجعله على ثقة من نقل فهمه السياسي الى جماعته، فيما هناك جهات تعمل بكل كلل للمحافظة على مواقعها حتى وان كانت غير مقتنعة بها.