تجزم اوساط وزارية مطلعة باقتراب الحسم في النقاش الدائر حول سبل تخفيض العجز في مشروع الموازنة العامة بعدما بات الوقت يضغط بقوة على الحكومة كما المجلس النيابي الذي سيكون امام استحقاق اصدار قانون جديد لتمديد العمل بالقاعدة الاثني عشرية في نهاية ايار الجاري. وتكشف هذه الوساط ان العقد التي كانت تحول دون وصول مجلس الوزراء الى اقرار الموازنة، قد جرى تذليلها تباعاً وذلك من خلال الغطاء السياسي الذي توافر في الايام الماضية، لكي تسير الحكومة في خطتها الهادفة الى تحقيق وفر للخزينة العامة من خلال اقتطاع نسب معينة من التعويضات والمخصصات التي يحصل عليها موظفو القطاع العام والاسلاك الامنية من دون اية استثناءات.
وفي هذا المجال تلفت الاوساط الوزارية الى ان الغطاء السياسي قد اتى بعد سحب اقتراح اقتطاع نسبة من رواتب الموظفين والاكتفاء باقتطاع نسبة محدودة من التقديمات التي يحصلون عليها تزامناً مع تطبيق مبدأ ضريبة الدخل التصاعدية على المعاشات التقاعدية وتشدد على ان المراجع والقيادات السياسية قد اجتمعت على مبدأ تخفيض العجز رغم الارتدادات المؤلمة والسلبية التي تسجل في الشارع، مع العلم ان خيار التظاهر والتعبير عن الاحتجاج لم يرفع بعد عن الطاولة، ولكنه تراجع من حيث الفاعلية نتيجة شمول الاجراءات مجالات اخرى ابرزها الاجراءات الجديدة لوقف التهرب الضريبي بالدرجة الاولى، بالاضافة الى اشراك القطاع المصرفي في تحمل اعباء خفض العجز وزيادة واردات الخزينة.
من هنا ترى الاوساط الوزارية ان الحكومة تشكل طريق الحسم تحت سقف اساسي هو تلمس الطريق للنفاد من الازمة الاقتصادية والمالية والذي تندرج تحته كل العناوين الاصلاحية والتقشفية، خاصة وان الحلول ما زالت ممكنة ومتاحة ولم يخسر لبنان فرصة الخروج من المشكلة المصيرية، ولكن هذا الامر يتطلب خطة جذرية للاصلاح وليس الاكتفاء بالحلول التي تعطي مفعولاً محدوداً وهي بمثابة المسكنات وليس العلاج الشافي.
الى ذلك، فان الخيارات الموجعة التي ما زالت حاضرة على طاولة الحكومة في جلسات النقاش، ولكن مناخ الثقة الذي ستعكسه الموازنة التقشفية سينعكس بشكل ايجابي على مجمل المشهد الاقتصادي العام خصوصاً اذا تم تخفيض نسبة العجز الى اقل من 9% من الناتج المحلي، وهو يشكل المعبر الاساسي لبلوغ مؤتمر «سيدر» الاول وضمان الحصول على الدعم الخارجي لاعادة تحريك العجلة الاقتصادية وتحقيق النمو في المرحلة المقبلة.
وفي اشارة الى ارتباط الحراك النقابي بالواقع السياسي داخل الحكومة، توضح الاوساط الوزارية ان مناخاً من التفهم قد تحقق اخيراً لدى كل القيادات السياسية والحزبية من اجل تغطية اي قرارات موجعة، خصوصاً وان اي تحرك في الشارع لا يهدد فقط ملف الموظفين والاساتذة والمتقاعدين بل مصير مشروع الموازنة ككل وينذر باستمرار العجز، وبالتالي يؤدي الى عدم وفاء الحكومة بالتزاماتها وتعهداتها تجاه الدول المانحة وتجاه اللبنانيين جراء تدهور الواقع الاقتصادي وتنامي العجز والمديونية.