Site icon IMLebanon

الطاقم السياسي «يطبخ» النفايات و«يأكل» النفط!

لا أحد يعرف لماذا تَزامن تحريك ملف النفط مع طروحات التسوية الرئاسية. هل هذا يعني أنّ أبطال الصفقة سيتوزّعون المال، في البحر والبرّ، وفي لبنان وسوريا، كما يتوزّعون السلطة هنا وهناك؟ لا شيء مستبعَداً. فالمال يأتي بالسلطة عادةً، والسلطة تأتي بالمال. والطاقم السياسي اللبناني يعرف كيف يحتكرهما معاً.

مضى نحو ثلاث سنوات على تجميد مرسومَي النفط اللذين يُفترض أن يكونا الخطوة الأولى في المسار نحو استثمار مخزونات لبنان من النفط والغاز في مياه المتوسط. وكانت اللجنة الوزارية المعنية بالملف نائمة منذ نحو عام. وفجأةً، تحرّكَ الملف تزامُناً مع الكلام على الصفقة السياسية الشاملة.

ولم يكن المعنيّون مستعدّين لتحريك الملف، على رغم أنّ المخاطر الناجمة عن التأخير قديمة ومعروفة، وهي لم تطرَأ دفعةً واحدة. فلماذا تجاهلوها لسنوات ولم يتذكّروها إلّا مع الصفقة الرئاسية المتداولة؟ وهل مسموح بأن تكون هذه المخاطر الوطنية الكبرى، المتعلّقة بثروة تقدَّر بمئات المليارات من الدولارات، رهناً بصفقة داخلية على تقاسم المغانم؟

العديد من دوَل الحوض الشرقي للمتوسط، وبينها إسرائيل، بدأ منذ سنوات يقيم أوسعَ تعاون لتصدير الغاز إلى أوروبا. وتلقّى المسؤولون اللبنانيون تحذيرات دولية من أنّ تعاطيهم الرديء في الملف النفطي سيَعزل لبنان عن النادي ويفقده الأسواق، وسيَجعل استخراج النفط عديمَ الجدوى، أو محدود الجدوى، اقتصادياً.

وشرحَ العديد من الخبراء لهؤلاء المسؤولين مبرّرات تستدعي مسارعة لبنان إلى تحريك ملف النفط، وأبرزُها:

1- التعاون الحاصل، برعاية أميركية، بين مصر وقبرص وإسرائيل في مجال استثمار النفط المستخرج، والتخطيط لمدّ أنبوب الغاز عبر المتوسط إلى اليونان، مفتاح أوروبا. وهنا يجدر التذكير بأنّ استعجال مصر بدءَ استثمار الغاز من حقل «ظهر»، وهو أكبر الخزّانات المكتشَفة في هذا البلد حتى اليوم، من شأنه أن يقف حجر عثرة أمام تسويق الغاز اللبناني.

2- الخطر النفطي الإسرائيلي. فلبنان سيضطرّ إلى التفاوض مع إسرائيل حول حدوده البحرية الجنوبية، المحاذية للآبار الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ويسعى الأميركيون لحسم هذا الملف من خلال مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوشتاين الذي زار لبنان مراراً في هذا الإطار، وقد تكون له زيارة قريباً.

ومعلوم أنّ شركة إسرائيلية اشترَت حصّة شركة «نوبل إينرجي» الأميركية في حقل «تامار» المحاذي للحدود اللبنانية، ما يزيد مخاطرَ التعدّي الإسرائيلي على المخزون اللبناني.

3- فيما كان المعنيون يتباطؤون في إطلاق الورشة النفطية، تراجعَت أسعار النفط في شكل لافت، ما حدَّ من الطموحات الاستثمارية اللبنانية. ويجد خبَراء أنّ الأسعار الحاليّة ربّما قاربَت أكلافَ الاستخراج. فكم سيبقى من الجدوى الاقتصادية إذاً؟

لكنّ آخرين يعتقدون أنْ لا ضيرَ في إطلاق الورشة اليوم، لأنّ هناك حاجة إلى نحو عامين لإنجاز العروض والتلزيم والبَدء في الاستخراج، وقد تعود الأسعار إلى الارتفاع في السنوات المقبلة.

لكنّ المهمّ في المسألة هو أنّ المخاوف لم تُحرّك المسؤولين ولا الطاقم السياسي، لكنّهم استيقظوا فجأةً على ضرورة تحريك الملف… لمجرّد أنّ هناك صفقة في الأفق.

وهذا شبيه بالتحذيرات التي أطلِقت عشية الجلسة التشريعية، من وقوع كارثة ماليّة، لتبرير انعقادها، علماً أنّ الكارثة واقعة بفضل السياسة التي يُدار بها البلد، ولا سيّما الشغور الرئاسي، سواءٌ انعقدت الجلسة التشريعية أم لم تنعقد.

وتتزامن الاستفاقة على المصالح النفطية مع استفاقة مماثلة في ملف النفايات الذي يُراوح منذ خمسة أشهر. فالمعنيون جميعاً، الذين تقاسَموا الثروات من النفايات حتى اليوم، كانوا على عِلم بالكارثة التي ستحلّ بعد إقفال مطمر الناعمة، لكنّهم تركوها تقع.

وفيما الحلول العِلمية واضحة، ويشير إليها الخبراء في شؤون البيئة والاقتصاد، وأبرزُها التفكيك الحراري بتقنية البلازما، فإنّ المعنيين فضّلوا إضاعة الوقت والناس في الخيارات السيّئة حتى رسوا على الأسوأ، أي الترحيل، وذريعتُهم أنّه سيكون موَقّتاً.

لكنّ الموَقَّت في لبنان يكون على طريقة الباخرتين التركيتين اللتين جيءَ بهما للدعم فقط… فإذا بهما تصبحان أساساً في الإنتاج. واليوم، لم يعُد أحد يتحدّث عن أكلاف الباخرتين ولا عن حُسن إدارة الإنتاج أو سوئه، ولا عن الخسائر ولا الوعود بكهرباء 24 على 24.

ويحَذّر الخبراء والمؤسسات الدولية من اعتماد خيار ترحيل النفايات، لأنّ كلفتَه (نحو 130 دولاراً للطن، ما عدا الكنس والنقل) ستُسرِّع مخاطر الإفلاس في لبنان. وتمارس هذه المؤسسات ضغوطها على لبنان لكي لا يعتمد خيار الترحيل الذي سيُسرع في إفلاسه. ولذلك، كارثةُ النفايات مستمرّة في الشتاء الآتي.

حتى الآن، يتبادل السياسيون أنفسُهم الاتّهامات بالفساد وسرقة المال العام (يُلطّفونها بعبارة «هدر» بدل «السرقة»)، في ملفّات النفايات والكهرباء وغالبية القطاعات. والخبراء يَجزمون بأنّ الاتّهامات بمعظمها، هنا وهناك، صحيحة. وهذا التوازن في الرعب، رعب الفساد، يَمنع المحاسبة لأنّ الجميع متضرّر منها.

واليوم، يقول الخبَراء، هناك شهوة للاستيلاء على المال العام القابع في أعماق البحر. ويمكن الدلالة إلى هذه الشكوك من خلال التحذير الذي أطلقَه النائب سامي الجميّل أخيراً، والذي ألمحَ فيه إلى شيءٍ ما في هذا الملف، وقال: «من يظنّ أنّ ملف النفط سيمرّ من دون إشراف دولي وشفافية مطلقة فهو مخطئ».

والصفقات في ملف النفط، إذا حصلت، ستكون قيمتُها بالمليارات لا بالملايين. ولذلك، ينادي بعض الأصوات بإبقاء ثروة لبنان النفطية في أعماق البحر، حيث لا تصل يدٌ إليها، في انتظار أن يتغيَّر هذا الطاقم… إذا تغيَّر يوماً.

الخلاصة: لا يصدِّق اللبنانيون أنّ المصالح الوطنية هي التي تقود غالبية المعنيين في الملفات والقطاعات والطاقم السياسي. ويعتقد كثيرون أن الذين «يطبخون» النفايات منذ سنوات… «سيأكلون» النفط في السنوات المقبلة!