IMLebanon

الجرأة في القرار السياسي

 

 

تختلف الظروف التي تفرض نفسها على القيادات السياسية لدفعها إلى اتخاذ القرارات المصيرية، هذا إن تلمّست تلك القيادات مصيريّة خياراتها أو قراراتها على المجتمعات التي تقودها. وتختلف الشخصيات السياسية التي تفرض نفسها على الظروف، فتدفع بالخيارات السياسية الوطنية إلى المكان الذي يُناسب مبتغاها ورؤياها السياسية الاستراتيجية. كما تختلف التقييمات بين الأطراف السياسية، فلكلّ طرف زاويته وتموضعه اللذان يسمحان له بالنظر الى القضايا ذاتها من واجهاتٍ مختلفة، ويتحمّل كل طرف مسؤوليات قراراته وعواقب نتائجها.

 

ولكلّ هذه التباينات والاختلافات مسبّباتها وموجباتها ومبرِّراتها، ولكن ما لا يُقبل من القادة السياسيين، أن لا يتمتعوا بالجرأة لاتخاذ القرارات الصعبة والخيارات المصيرية، خصوصاً وانّنا في لبنان نمرّ حالياً بلحظةٍ مصيرية تحتاج الى مسؤولين وقادة من صنف القادة القادرين على أخذ القرارات الجريئة، لمقاربة الخيارات الرئاسية من منطلقات تضمن مستقبل هذا البلد وتحفظ هويته الأصلية وثقافته المُميّزة.

 

وأكثر الاطراف الذين يواجهون هذا التحدّي هم الأحزاب ذات الاغلبيات المسيحية والقادة المسيحيون، وبالذات «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحرّ»، وبالطبع «الكتائب اللبنانية» وغيرها من الشخصيات السياسية ذات الحيثيات الشعبية. وإن كان لتكتل «القوات اللبنانية» النيابي القدرة والقيادة التاريخية لاستيعاب هذا الأمر، والإقدام بكلّ جرأة على اتخاذ القرار الحاسم، وعلى رسم الخطوط الحمر التي لن يتجاوزها، فإنّ تكتّل «الكتائب اللبنانية» النيابي لم يتوان أيضاً عن التموضع الجريء والواضح في هذا الأمر الاساسي لبقاء لبنان الذي شكّل حزب الكتائب عموداً من العواميد التي ارتكز عليها بلد الارز بنشأته.

 

أمّا «التيار الوطني» فهو الجهة التي تقع حالياً تحت الامتحان الصعب والمصيري الوطني، ولن يكون للمواقف العامة الملتبسة وغير الواضحة أي وقع ايجابي، وإنّ اللعب على الخيارين كمن اختار بناء منزل له على حدودٍ متوترة لدولتين عدوّتين، فمصير المنزل وصاحبه الدمار والهلاك، والخسارة هنا ليست مقتصرة على فريق «التيار» أو رئيسه، بل على فئة واسعة من اللبنانيين ومن المسيحيين خصوصاً، ما يعني اختلالاً جديداً وأساسياً في التركيبة اللبنانية، سبب وجود بلد الارز.

 

إنّ ضرورة اتخاذ القرار بسرعة هي مسألة مصيرية وبأهمّية طبيعة الخيار، فاختيار «التيار الوطني الحرّ» الاستمرار بالتحالف مع محور المُمانعة يعني إعداماً للبنان، لأنّ هذا البلد المُدمَّر بكلّ قطاعاته لن يستطيع في المستقبل القريب استعادة القدرة على إعادة بناء مؤسساته والحياة الطبيعية فيه، مع التأكيد أنّ التعامل معه من الدول القادرة على مساعدته سيكون في الحدّ الادنى، وهذا الواقع سيكون قاتلاً لكل الفئات اللبنانية، وبالأخصّ للمسيحيين الذين وصلوا نتيجة النزف الخطير بالفئات الشبابية إلى الخارج إلى وضع لا يمكن معالجته كلّما تأجّل زمن الانقاذ الوطني.

 

إنّ خيار تجيير لبنان إلى محور التوسّع الايراني الفقهي على حساب الثقافة اللبنانية، مقابل الحصول على مواقع سلطوية وتوازنات داخلية نفوذية، هو طعن في خاصرة التاريخ اللبناني المليء بالنضالات والبطولات.

 

إن كانت الخيارات هي العامل الذي يُحدّد مصير لبنان، فإنّ الجرأة في اتخاذ القرار المصحوبة مع الحكمة هي التي تؤكّد هذا المصير، وإن كانت بعض الاطراف قد عقدت العزم واتخذت القرار الجريء للمضي بالدفاع عن لبنان والحفاظ على ثقافته، مهما غلا الثمن، فإنّ أطرافاً اخرى لم يعد يمكنها البقاء في خندق مُمانعة الجرأة في القرار السياسي، مهما كانت أثمان ذلك الشخصية.

 

(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»