IMLebanon

حوار سياسي جَمَع الأضداد حول همّ اقتصادي صرخة صناعية قابلَتها التزامات تُعيد النظر بالسياسات

في غمرة الانشغالات السياسية بالتموضع حيال الملفات الشائكة المطروحة، تبرز صرخة من وسط صناعي أثقلت كاهله الاضطرابات السياسية والأمنية المحلية والمحيطة، معطوفة على إهمال متماد للقطاعات الإنتاجية المولدة للنمو وفرص العمل.

قبل نحو أسبوع، إنعقد لقاء حواري هو الأول من نوعه منذ عقد ربما، شكلا ومضمونا وتوقيتا.

الدعوة وجهتها جمعية الصناعيين الى وزير الصناعة حسين الحاج حسن من جهة وممثلي الكتل السياسية في المجلس النيابي من جهة ثانية.

والأهمية التي اكتسبها هذا اللقاء الذي شارك فيه أكثر من خمسين صناعيا يمثلون مختلف القطاعات، ليست من حيث فتحه حوارا مباشراً بين ممثلي قطاع إقتصادي حيوي في البلاد فحسب، وإنما من حيث نجاحه في جمع أضداد السياسة على ضفتي ٨ و١٤ آذار حول دور الدولة حكومة وسلطة تشريعية في دعم هذا القطاع وتوفير مقومات صموده في ظروف قد تكون الأسوأ منذ عقود.  قد لا يشكو الصناعيون فقط من الأوضاع الأمنية المتدهورة في المنطقة والتي جعلت من التصدير خطرا حقيقيا يتهدد المصدرين على المعابر الحدودية، ويطرح محاذير فتح المعبر البحري مع ما يعنيه من اكلاف عالية ومخاطر، بل يشكون كذلك من غياب الاهتمام الرسمي عن قطاع يعيل نحو ٦٥٠ ألف مواطن ويسهم بما بين ١٠ و١٢ في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وقادر على خلق أكثر  من ١٥٠٠٠ فرصة عمل سنويا.  ويلاحظ ان أبرز مطالب هذا القطاع ترتكز حاليا على تعديلات مطلوبة على عدد من القوانين، فضلا عن مطالبات بإقرار مشاريع قوانين عالقة وفي مقدمها قانون سلامة الغذاء المدرج حاليا على جدول أعمال الجلسة التشريعية المقترحة من دون أي بوادر إيجابية تؤشر لامكان انعقادها قريبا.

وإذا كان إقفال الحدود على خطوط الترانزيت قد عجَل في إطلاق الصرخة الصناعية والمطالبة بلجنة طوارىء اقتصادية – سياسية، فإن هذا التوقيت سمح بدفع النواب المدعوين الى تلبية الدعوة الصناعية من اجل البحث في ورقة عمل أعدتها جمعية الصناعيين وادرجت فيها واقع القطاع ومقاربتها للمعالجات المطلوبة.

إلا ان المفارقة ان الحوار الحكومي – النيابي الذي دار بين وزير الصناعة وممثلي الكتل السياسية أبرز حجم الهوة القائمة في علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية رغم ان الوزير المختص مثل غالبية الوزراء الذين يمثلون كتلهم السياسية في الحكومة كما يمثل النواب كتلهم في المجلس.

تبادل مسؤوليات في المباشر وغير المباشر حول من يؤخر اقرار القوانين او الاقتراحات المطروحة لتسهيل مهمة الصناعيين وتخفيف اكلاف إنتاجهم، خلص الى طروحات ترمي الى إعادة النظر بالسياسات الانفتاحية القائمة والتي لا يرى وزير الصناعة أنها أثبتت جدواها.

قالها عضو “كتلة الوفاء” للمقاومة النائب علي فياض: “فلنترك خلافاتنا السياسية خارجا ونسأل انفسنا: هل يمكن ان نوجه الحوار نحو توجه وطني يرمي الى دعم حكومي وتشريعي لتبني ورقة إعادة إحياء الصناعة؟”.

بدا لافتا التجاوب الذي لاقاه نداء فياض من ممثلي كتلتي ” المستقبل” والتغيير والإصلاح”.

وما بدا لافتا أكثر تفهم وزير الصناعة الآتي من وزارة الزراعة سابقا لشؤون الصناعيين وشجونهم، فتحدث بلغتهم ليسأل بدوره: هل يعقل ان نستورد بـ٢١ مليار دولار ونصدر بـ ٤ مليارات، وهل يعقل ان يدفع لبنان الى الخارج ١٧ مليار دولار لا نملكها بما انه ليس لدينا موارد طبيعية او مخزون نعوض به هذا العجز؟

جواب الحاج حسن حاضر وليس جديدا، وربما كان الحوار الصناعي منصة لإعادة إطلاقه: رزمة من الإجراءات المطلوب السير فيها ترمي الى الآتي: إعادة النظر بالاتفاقات التجارية،البحث مع وزارتي المال والاقتصاد في إجراءات تحفيزية، العودة الى قرار دعم الصناعة بما يتطلبه ذلك من اجراءات حمائية لمواجهة الإغراق، و فرض إجازات استيراد حتى لو تطلب ذلك الوصول الى منع استيراد بعض السلع لا سيما من الدول التي تصدر بالمليارات الى لبنان ولا تستورد إلا ببضعة ملايين.

لا شك في ان مثل هذه الإجراءات ستتطلب إعادة نظر بسياسات الحكومات الانفتاحية السابقة. لقد التزمت كتلة “المستقبل” في اللقاء الحواري دعم توصيات اللقاء، ودعا الوزير الى لقاء ثانٍ بعد أسبوعين في الحد الأدنى. والتحدي في ان تصمد التزامات القوى السياسية حيال القطاع الصناعي وسياسات الدعم المطلوب التحول اليها، بحيث تبقى خارج حلبة السياسة كما طالب فياض فلا يدفع الصناعيون ثمن التجاذب!