على رغم انطلاق التحضيرات السياسية والإدارية للاستحقاق النيابي المقرّر في 6 أيار المقبل، لا يزال هناك كلام كثير عن احتمال تأجيل الانتخابات لأسباب تتنوّع وتتناقض لدى المروّجين لهذا الاحتمال المتعدّدي الانتماءات والولاءات السياسية والطائفية والمذهبية.
فإلى جانب الذاهبين جدّياً إلى خوض الانتخابات النيابية من قوى سياسية وأحزاب، هناك افرقاء يعملون لاستيلاد ظروف تفرض تأجيلها لحسابات لديهم تظهر لهم احتمال عدم فوزهم، او الفوز بعدد هزيل من المقاعد النيابية، علّ هذا التأجيل يفتح الباب مجدداً للبحث في قانون انتخاب جديد، لأنهم قبلوا مكرهين بالقانون النافذ الذي يعتمد النظام النسبي والصوت التفضيلي للمرة الاولى في تاريخ الجمهورية اللبنانية.
ويتخفّى خلف الطرفين المؤيد للانتخابات والمعارض لها دولٌ وقوى خارجية لديها الحسابات نفسها إزاء القانون الانتخابي وتأثير نتائجه على مصالحها السياسية المتعددة في لبنان.
ولذلك، يرى سياسيون معنيون بالانتخابات، انّ مصير الاستحقاق النيابي ما يزال مبهَما طالما انّ الارادات الخارجية المؤثرة فيه لم تتبلوَر خياراتها النهائية بعد تأييد لهذا الاستحقاق أو اعتراض عليه. وكذلك، يرى هؤلاء السياسيون انّ المواقف الداخلية التي يتخذها هذا الفريق او ذاك ولم تكن مألوفة سابقا، تزيد في غموض مصير الانتخابات النيابية، خصوصاً ان لا شيء يؤكّد حتى الآن انّ قانون الانتخاب سيعدَّل في بعض بنوده «الادارية واللوجستية»، إذا جاز التعبير، وتحديداً لجهة «البطاقة الممغنطة» التي يتعذّر إنجازُها قبل موعد الانتخابات، وكذلك لجهة موضوع الـ«ميغاسنترز» المتصلة بالتسجيل المسبَق للناخبين في اماكن سكنِهم، وقد اضيفَ الى ذلك اقتراحُ الوزير جبران باسيل بتمديد فترة تسجيل المغتربين الراغبين المشاركة في الاقتراع حتى منتصف شباط المقبل بعدما كانت هذه الفترة انتهَت في 20 تشرين الثاني الماضي، وهو اقتراح يعارضه رئيس مجلس النواب نبيه بري وحلفاؤه الذين يجدون فيه محاولةً لتأجيل الانتخابات، وهذا التأجيل يضمِره بعض القوى السياسية على رغم إشهارِها اليومي الاستعدادَ لخوض الانتخابات في موعدها بعيداً من أيّ تأجيل جديد لها.
على انّ الغموض السائد في بعض المواقف الاقليمية والدولية هو الذي يدفع ولا يزال بعضَ القوى السياسية الداخلية التي ستخوض الانتخابات الى التأخّر في تحديد خياراتها وتحالفاتِها في غالبية الدوائر الانتخابية، الى درجة انّ البعضَ يقول إنّ كلّ هذه القوى مُربَكة ومرتكبة، ما عدا ثنائيّ حركة «أمل» و»حزب الله» اللذين نسّقا باكراً المواقفَ والتحالف بينهما في غالبية الدوائر الانتخابية، حيث إنّ في استطاعتهما خوضُ الانتخابات في ايّ وقت، سواء في الموعد المحدد لها او في ايّ موعد جديد، في حال تمّ تأجيلها.
ويَعتقد البعض انّ افرقاءَ سياسيين يتعمّدون حالياً اتّخاذ مواقف تبدو في ظاهرِها كأنّها رسائل غير مباشرة الى حلفائهم الاقليميين الذين لم يحسموا بعد مواقفَهم النهائية من الاستحقاق النيابي اللبناني، إذ تارةً يوحون بأنّهم لن يتدخّلوا فيها على الإطلاق وسيتركون للقوى السياسية اللبنانية حرّية التنافس فيها غيرَ آبهين بالنتائج التي يمكن ان تترتّب عليها سواء كانت ستخدم مصالحَهم في لبنان ام لا، وطوراً يوحون بأنّهم سيتدخّلون في هذا الاستحقاق في الوقت المناسب بطريقة عملية ومؤثرة يمكن ان تغيّر قواعد اللعبة الانتخابية، أو «قواعد الاشتباك» السياسي والانتخابي بين القوى المنغمسة في العملية الانتخابية.
لكنّ فريقاً آخر من السياسيين يعتقدون أنّ مواقف هؤلاء الأفرقاء الداخليين ليست رسائل موجّهة الى حلفائهم الخارجيين وإنّما هي نتاج اقتناعٍ لديهم بوجوب التعاطي مع الواقع الانتخابي الجديد على اساس انّ هناك واقعاً جديداً اقليمياً بدأ يسود، ويفرض على كلّ فريق ان يسعى على طريقته لضمان موقعِه ومستقبله في الحياة السياسية اللبنانية من دون ان يربط ذلك بحسابات بعض الاطراف الاقليمية والدول العربية والاجنبية التي قد تصيب أو تُخطئ.
وفي توقّعات البعض انّ المشهد الانتخابي سيتحرّك عملياً مطلع الشهر المقبل، فإمّا اصطفاف الجميع في اتّجاه خوض الانتخابات، وإمّا الدخول في خلافٍ عميق وعقيم حول تعديل قانونها، ربّما يدفع البعض إلى إشهار موقفٍ يطالب بتأجيلها، وذلك في موازاة عدم إغفال البعض احتمالَ بروز عوامل وأحداث خارجية كبرى تَحول دون إجراء هذه الانتخابات، ودفعِ المعنيين الى تأجيلها بما يحقّق رغبة البعض في أن ينتخب المجلس الجديد الذي ينبثق منها لاحقاً رئيسَ الجمهورية المقبل، في اعتبار أنّ الانتخابات إذا جرت في موعدِها المقرّر في 6 أيار المقبل، ستُنتج مجلساً تنتهي ولايتُه قبل بضعة أشهُر من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.