IMLebanon

لعبة خسارة مزدوجة: “حرب عصابات سياسية”

 

لبنان المحكوم باللادولة صار أيضاً في اللاسلطة. وقمة البؤس الوطني والأخلاقي والعقم السياسي أن يمارس أهل التسلط معادلة “سينيكية”: اللعب بالأزمات والصراعات وتوظيفها يضمن لهم الأرباح، وإيجاد حلول لها يأتي لهم بالخسائر. ما يراد للّبنانيين أن يتكيفوا معه ليس فقط نسيان الحكومة والانتخابات النيابية بل أيضاً نسيان لبنان الذي عرفوه. وما يدور على المسرح هو “حرب عصابات سياسية” في غياب القدرة على الحرب الشاملة والرغبة في التسوية كما في انتظار متغيرات في المنطقة تنعكس علينا عبر حرب أو صفقة. لكن الناس ضحايا دفعتها المافيا الى خط الفقر وتحته، لا جمهور متفرجين على مسرحية. والأبطال مرشحون لأن يصبحوا ضحايا في لعبة أكبر منهم، وإن كانوا يلعبون أدواراً يتصورون أنها تخدمهم.

 

ذلك أنّ القاعدة التي وضعها المفكر الصيني القديم سن تزو لا تزال ثابتة في الحروب العسكرية وحتى السياسية: “المحاربون المنتصرون يربحون أولاً ثم يذهبون الى الحرب، والمحاربون المهزومون يذهبون الى الحرب أولاً ثم يبحثون عن الربح”. وما يسود المعركة على المسرح هنا هو الإرتجال والغرائز، وإن كان في الكواليس طرف يدير ويخطط ولديه مشروع. فلا محارب ضمن الربح قبل بدء الحرب، حيث لا أحد يستطيع إلغاء أحد أو السيطرة الكاملة على الوضع. والكل خاسر في النهاية، بصرف النظر عن أوهام الربح والإنتصارات. فكيف إذا كان ما نراه هو تعطيل السلطة اليوم إستعداداً لترتيب الفراغ والأدوار خلال مرحلة مستقبلية؟ وأي مستقبل للأشخاص اذا كان البلد ينهار في الحاضر، وذاهباً من دون حكومة الى “جهنم” كما قال الرئيس ميشال عون ومتجهاً في المستقبل الى “الزوال” بحسب وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان؟

 

المشهد خارج المسرح عبثي: شعب أذلته المافيا السياسية والمالية والميليشيوية، وسطت على أمواله، وتركته في مهب وباء كورونا، لكنه لا يثور. وبلد في وضع لا سابق له حتى أيام الحرب: باب مغلق مع العرب والغرب بسبب التسليم بالدور الذي يلعبه “حزب الله” هنا وفي المنطقة، وباب مفتوح نظرياً اسمه “التوجه شرقاً” يقود الى لا مكان ولا نستطيع عبوره الى ايران. لا إمكان لدفع “حزب الله” الى دور محلي فقط ولا هو يريد أو يستطيع تغيير الدور المرتبط بالمشروع الايراني. ولا “الحزب” يجهل ما الذي سيواجه اذا اختار السيطرة الكاملة على لبنان.

 

ولا شيء يوحي أنّ هناك محاولات للحد من التوتر في العلاقات الداخلية والخارجية. وما ينطبق علينا هو قول المؤرخة بربارة توخمان: “القادة في الحكومات لا يتعلمون شيئاً أبعد من الإقتناعات التي يجلبونها معهم، وهي الرأسمال الذي يستهلكونه في المنصب”.