هل يمكن الكلام مجدداً عن تأليف حكومة سياسية بعد فشل البحث في حكومة اختصاصيين، لأسباب سياسية؟ يأتي إحياء هذا الطرح على وقع التحولات الأميركية والانهيار المحلي المتزايد، رغم أن العقبات لا تزال موجودة أمامه
رغم تراجع المشهد الحكومي لصالح الانشغال بانتشار وباء كورونا، الا أن الايام القليلة الأخيرة حملت أجواءً حكومية، تعيد طرح فكرة تشكيل حكومة سياسية. لا تزال الفكرة قيد البحث في بعض دوائر القوى السياسية المعنية، انطلاقاً من جملة عوامل.
بات ثابتاً لدى المتصلين بالرئيس سعد الحريري أنه لن يعتذر عن عدم تشكيل الحكومة. رغم حملة العهد أو التيار الوطني الحر أكثر من مرة لإحراجه وإخراجه، إلا أنه متمسك بالبقاء في منصبه، متسلحاً هو نفسه بالدستور الذي لا يلزمه بمهلة للتأليف ولا يعطي العهد فرصة عزله من التكليف، ولا سيما أنه لا يزال حتى الآن مطمئناً الى أن حزب الله في غير وارد التخلي عنه. ورغم أن لبنان شهد سوابق الأشهر الطويلة التي تسبق تأليف الحكومات، كما حصل مع حكومة الرئيس تمام سلام في نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، الا أن الظروف المالية والاقتصادية والاجتماعية تختلف جذرياً اليوم، وأضيفت اليها الازمة الصحية الخانقة، ما وضع الحريري أيضاً في مواجهة استحقاق يتعدّى روتين تشكيل الحكومات في أيام الخضّات السياسية، لأنه في نهاية الامر يتحمل، كرئيس حكومة وكزعيم لطائفة وكقائد لتيار سياسي، مسؤولية السعي لإيجاد حلول للازمات الضاربة. ولأن البحث الحكومي عن حكومة اختصاصيين اصطدم بعراقيل كثيرة، تتعدى الاتفاق على الاسماء وتبادل الحقائب السيادية والخدماتية، عاد طرح البحث عن حكومة سياسية، مطعّمة باختصاصيين، ليكون مادة نقاش يمكن تفعيلها في الايام المقبلة.
هذا الطرح المتجدد، ينطلق أيضاً من ضرورة الاستفادة من مرحلة سماح مع تسلم الرئيس الاميركي جو بايدن مهامه وخروج ادارة الرئيس دونالد ترامب، ما قد يساعد على التحرر من الضغوط الاميركية على لبنان، ولا سيما على الحريري، من دون أن يعني ذلك أن الإدارة الجديدة ستقلب مقاربتها لحزب الله ولبنان رأساً على عقب. لكن دخول واشنطن الديموقراطية في حوار مع ايران، سيحمل تبعات في المنطقة، سواء بالنسبة الى اسرائيل أم دول الخليج، تزامناً مع استحقاقي الانتخابات الاسرائيلية في آذار والإيرانية في تموز المقبل على السواء. وهذا يفترض التعجيل في انتهاز فترة السماح للنفاذ بحكومة سياسية، حتى لو استمرت سياسة الضغط الاميركية توازياً مع المفاوضات. وهذا الاقتراح المتجدد يمكن أن يلاقي تغطية أوروبية، ولا سيما من جهة فرنسا، التي قد تسهم في تخفيف وطأة العودة الى هذا الشكل من الحكومات، خصوصاً أنها رعت مجيء الحريري، بموقعه السياسي، مجدداً لتأليف الحكومة.
الطرح ينطلق من ضرورة الاستفادة من مرحلة سماح مع تسلم بايدن مهامه ما قد يساعد على التحرر من الضغوط الأميركية
لكن هل يكون تعزيز فرص العودة الى حكومة سياسية في لبنان، يتمثل فيها حزب الله من دون اشتراط ابتعاده عن الصورة نهائياً، اقتراحاً قابلاً للحياة بعد التجارب السابقة، وكيف يمكن الكلام مجدداً عن حكومة سياسيةٍ إزاء موقف التيار الوطنيّ من ضرورة المشاركة فيها؟
الأكيد أن العثرات التي ترافق تشكيل أي حكومة لا تزال هي نفسها، فكيف الحال إذا أعيد البحث الى المربع الاول. وإذا تخطّينا كيفية تبرير العودة الى هذا النوع من الحكومات بعد تظاهرات 17 تشرين واستقالة حكومة الحريري ومن ثم حكومة الرئيس حسان دياب، والمبادرة الفرنسية لحكومة مهمة من اختصاصيين التي دفنت، فإن احتمالات نجاح الفكرة مجدداً تساوي احتمالات فشلها، لأن إجهاض حكومة الاختصاصيين تم لأسباب سياسية لا لأسباب تقنية. فالنزاع دار في خلفيته الحقيقية حول الثلث المعطل وتبعاته، وهذا السبب يمكن أن تُخفف الشروط حوله في حال اتفق على مبدأ الحكومة السياسية، وإن طُعّمت باختصاصيين، إذ لا يصبح حينها التمسك بحق الثلث الصافي للعهد من دون حزب الله هو العقبة، مع الأخذ في الاعتبار أن أي موافقة على حكومة سياسية ستأخذ في الحسبان أنها باقية الى أمد غير معروف، تبعاً لتطورات السنتين الأخيرتين من عمر العهد، وهنا يكمن تبرير عودة الجميع الى القبول بها. أما النقطة الثانية فتتعلق بسؤال قديم جديد: هل يتمثل التيار الوطني الحر برئيسه جبران باسيل فيها أسوة بالحريري كما كان شرط باسيل منذ أن طرحت الفكرة سابقاً؟ حتى الآن الجواب مرتبط بشخصية باسيل وموقفه الذي زادته إصراراً العقوبات الاميركية وليس العكس، بمعنى أنه لا يمكن إلا أن يتمثل فيها، رغم أن هذا الموقف لا يزال بديهياً وليس قراراً متّخذاً في صورة رسمية، تبعاً لتطور المفاوضات ونضوج الفكرة مجدداً. لكن مجرد السجال الأخير بينهما يعطي فكرة أولية عن انتفاء أي نية لباسيل للتراجع أمام الحريري. في المقابل، فإن وجود حزب الله في حكومة سياسية أو اختصاصيين سيبقى هو نفسه، وما دام الحزب لم يتراجع عن تمسكه بلائحة أسماء يسميها بنفسه، مهما كان شكل الحكومة، فإن الكرة الآن ستكون في ملعب القوى السياسية الأخرى المعارضة والموالية، إذا كان التبرير الاول والاخير الذي يعطى لإحياء الفكرة مجدداً هو حجم الانهيار الذي يفترض تشكيل حكومة في أسرع وقت. على أن تظهر الأيام المقبلة احتمالات بقاء الطرح على قيد الحياة أو دفنه مرة أخرى.