IMLebanon

المصالح السياسية تهزم التربية!

ليست التربية في لبنان في أحسن احوالها. مشكلاتها لا تقتصر على سبب واحد، ليست فقط إدارة مترهلة، ولا حسابات خاصة، وبالتأكيد ليست التطورات العربية والاقليمية وتدفق اللاجئين. المشكلة تبقى في البنية غير المحصنة على مستوى التربية وغير القادرة على جبه التدخلات ومواجهة التداعيات التي أفرزتها تطورات الحرب السورية من تدفق للاجئين، الى الأزمات المالية التي قلّصت الحقوق والتقدمات للجسم التربوي، خصوصاً المعلمين. لكن يبقى العامل الأبرز دخول السياسة وحساباتها على التربية وإداراتها وأجهزتها، فأصبحت مقرراً في الكثير من القضايا والقرارات أيضاً، وحاسمة في التوجهات، من دون أن نضع جانباً العامل الطائفي والمذهبي المرتبط بالقوى المقررة والنافذة، والتي تريد دائماً حصتها في أي مشروع، فضلاً عن حجز دور وموقع لها في الجسم التربوي، ما جعله أكثر ضعفاً وترهلاً وغير قادر على التطور ومواكبة الحداثة وحتى المنافسة في المنطقة.

نعرف، في تاريخ التربية في لبنان، ان كل من تولى مسؤولية رسمية، يحمل توجهات سياسية معينة، لكن نادراً ما نجد من يضع مرجعيته السياسية وتوجهاته جانباً، وإن كانت هناك استثناءات ترفع منسوب الوطني في الإدارة التربوية على حساب المصالح السياسية الضيقة. لذا نشهد اختلافات بين العهود التي تدير التربية، وإن كانت بعض المشاريع توزع حصصاً بين الأفرقاء والمستفيدين، طالما أن الجميع يعترف بوجود ممارسات فساد في الإدارة وبعضهم يتحدث عن سرقات، من دون أن نجد من يبادر الى طرح مشاريع اصلاحية تعيد للإدارة التربوية رونقها وتعزز دورها في التعامل مع جميع الناس بلا حسابات ومصالح وتمييز، وفق الدائرة والمنطقة والحزب والقطاع والمسؤول.

ولطالما وجدت السياسة في التربية، لكنها لم تكن مرجحة. في حين نجد اليوم في التدخل السياسي والممارسات التي تنخر الادارة، دليلا على ما آلت اليه أمور التربية وجسمها ومكوناتها في البلد، والتي كانت في ما مضى تصدّر الى المنطقة نماذج ناجحة وأخلاقية في التربية، على ما يصدر من تعاميم وقرارات وتعيينات، الى الترخيص لجامعات موزعة على القوى والطوائف والمذاهب، بالإضافة الى التعامل مع ملف الامتحانات، فقضايا المعلمين والتعاقد في قطاعات التعليم ومراحله، فضلاً عن المشاريع والتلزيمات واستنسابية قراراتها وتوزيعها، وبعضها لا يفيد التربية بشيء، الا بعض الذين يتولون ادارة المشاريع الممولة.

ولعل التعليم الرسمي هو الأكثر تأثراً بالتدخل السياسي، اذا اعتبرنا أن السياسات التربوية اليوم لا تمنحه اهتماماً ورعاية في مراحله المختلفة، فالسياسة تغلب في توجهات تجعله يتلاشى رويداً من دون أن يعلن القيمون موقفهم من خصخصته مستقبلاً، وما التعامل مع قضايا المعلمين وحقوقهم، في السلسلة وغيرها، الا دليل على إدارته سياسياً فترهن مستقبله بحساباتها ومصالحها. وهذا هو واقعنا اليوم!