مَن يتتبع سلوك الطبقة السياسية داخل الحكم وخارجه، لا بد له من أن يصاب بالانشداه والذهول. وأقرب ما يقفز الى الذهن هو أن البلد سقط في حالة متطورة ومعقدة من انفصام الشخصية، بين سياسيين منغمسين في أوضاع من الترف الذهني والسياسي من جهة، وحالة من البؤس المستشري للمجتمع اللبناني بأسره، من جهة أخرى. وعلى الرغم من أن لبنان يغرق تحت طوفان من الأزمات الفتاكة والوبائية، والتي تتطلب استنفاراً عاماً وحلولاً عاجلة، فإن الطبقة السياسية – وبخاصة داخل السلطة – تتصرف وكأنها في حالة استرخاء تام، ولديها كل ما يلزم من الوقت ل التفكير والتشاور على مهل! واذا قررت التحرك أخيراً لأي دافع كان، فإنها تفعل ذلك وهي تتثاءب، وتتمطى بعضلات مترهلة، وأجفان نصف مغمضة!
***
أمران خطيران وعاجلان ولا يحتملان أي تأجيل: الأمن والنفايات! ومن حسن الحظ أن الأمن ليس في يد الحكومة، ولا الطبقة السياسية، والا لكان المجتمع اللبناني مات غرقاً بدماء أبنائه! وقد أبلت القوى الأمنية كافة والجيش في تحصين أمن الناس واستقرارهم على درجة عالية من القبول والرضا، بالمقارنة مع عصف الجنون الارهابي التكفيري في المنطقة. أما النفايات ولأنها في يد الحكومة والمكونات السياسية، فقد تم ترحيلها الى خانة المعالجات المترهلة والنقاشات السفسطائية التي تختفي وراءها المساومات والسمسرات! وعلى الرغم من أن النفايات مثل الأمن قضية خطيرة وعاجلة، فإن المجتمع اللبناني يموت غرقاً بنفاياته، لأن الأمر بيد الحكومة وليس بيد سواها!
***
تتصرف الحكومة مع أزمة النفايات وكأن لبنان يعيش في حالة من الترف والبحبوحة والازدهار. ومن بين كل الحلول المطروحة اختارت الحل الأكثر تكلفة لترحيل النفايات بأثمان باهظة تتجاوز نصف مليار دولار! وتجنبت الحلول المتناسبة مع عسر الحال المالي والاقتصادي للبنان الذي يرزح تحت دين خارجي يتعاظم باستمرار. والسؤال الأخطر هو: هل اختارت الحكومة هذا الحل الباهظ لأنها عاجزة فعلاً عن الضغط على حفنة من المعارضين لخطة الوزير شهيب؟ أم انها تتذرع بالعجز لخدمة غول جديد يحل محل غول سوكلين؟! –