تردُّد القوات بالذهاب نهائياً بدعم ترشيح عون للرئاسة أكثر من اللازم يُضعف مفعولها سياسياً
مناورة سياسية مرحلية لإفشال التسوية أو محاولة لإخراج عون وفرنجية من السباق الرئاسي معاً؟
التغطية الإقليمية والعربية ما تزال في معظمها تدعم خيار المبادرة المطروحة لدعم خيار ترشيح فرنجية للرئاسة
منذ الإعلان عن قبول زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري بالتسوية السياسية إستناداً إلى تأييد ترشيح النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية لإنهاء مأزق الشغور الرئاسي المتواصل منذ أكثر من عام ونصف والمعارضة القوية التي جوبه بها هذا الطرح وخصوصاً من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لا يترك أي نائب أو مسؤول قواتي مناسبة سياسية كانت أو إطلالة إعلامية إلا ويكون محورها موضوع التسوية المطروحة مع التأكيد على إمكانية ذهاب القوات بعيداً في موقفها الرافض لترشيح فرنجية وصولاً إلى تأييد ترشيح خصمها اللدود رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون لهذا المنصب وهو ما أبلغه نائب رئيس القوات جورج عدوان وجاهياً لحلفائه في قوى 14 آذار منذ أيام، مبرراً هذا التوجّه باعتبارات وذرائع لم تُقنع هؤلاء الحلفاء في معظمهم، ولكنها تعبّر بوضوح عن عمق الخصومة التي تحكم علاقة القوات بفرنجية ولا تترك أي فسحة أو مساحة ضئيلة لطي صفحتها وفتح صفحة جديدة من خلال مهادنة مسألة الترشيح أو حتى تأجيل الاعتراض عليها على الأقل.
ولكن مقابل هذا التركيز على طرح مسألة دعم رئيس حزب «القوات اللبنانية» لخيار ترشيح عون للرئاسة، يلاحظ بوضوح كذلك أن تكرار الإشارة إلى التلويح بإمكانية اللجوء إلى مثل هذا الخيار، وتفادي إعطاء موقف نهائي وقاطع بهذا الخصوص، يطرح تساؤلات واستفسارات عديدة بأن ما يُقال ويتردّد بهذا الخصوص ما يزال في طور إرسال الإشارات والاعتراضات السلبية الرافضة لاستمرار تسويق مبادرة التسوية من قبل الرئيس الحريري تحديداً، في حين أن بلورة الموقف النهائي والثابت لخيار دعم عون للرئاسة، ما يزال موضع دراسة ونقاش ويخضع لحسابات دقيقة لا يمكن الاستهانة بتداعياتها ونتائجها مهما بلغت حماسة الملوحين بالاعتراض على خيار انتخاب فرنجية للرئاسة في هذه المرحلة بالذات.
ولا شك أن إطالة أمد التردد باتخاذ موقف نهائي وحاسم من قبل «القوات» في مسألة دعم ترشيح عون للرئاسة سيضعف هذا الموقف ويقلل من مفاعيله لدى الحلفاء والخصوم على حدٍ سواء، وقد ظهرت حتى الآن بوادر تململ وتشكيك في أوساط «التيار العوني» من هامش التردد الذي تنتهجه القوات في هذه المسألة وبدأت بوادر انعدام الثقة تظهر على السطح من جديد بين الطرفين بالرغم من كل عبارات المجاملة والمديح التي تكال على ألسنة المسؤولين في وسائل الإعلام حتى بات يقال علناً ان تلويح القوات بدعم ترشيح عون بهذه الطريقة الاستعراضية سيبقى في إطار المناورة السياسية المحدودة النتائج، إذا لم يقترن عملياً بخطوات فاعلة تعطي دفعاً قوياً ومسيحياً ملموساً على وجه الخصوص لهذا الترشيح بما يقطع الطريق نهائياً على أي إمكانية لوصول فرنجية لمنصب الرئاسة الأولى، وهذا الأمر لم يحصل حتى الآن.
ومرد التردد في تقديرات بعض الأوساط السياسية ان جنوح «القوات» نهائياً لتأييد ترشيح عون كذلك نابع انه يكون عاملاً حاسماً في مسألة وصوله للرئاسة في ضوء الانقسام الحاصل حالياً وتقارب أصوات النواب الذين يتذرعون التأييد مع فرنجية، الأمر الذي يزيد من التريث بعدم الانجرار لأي موقف غير محسوب بدقة، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية التغطية الإقليمية والعربية والدولية التي ما تزال في معظمها تدعم خيار المبادرة المطروحة لدعم خيار ترشيح فرنجية للرئاسة كما ظهر ذلك في مواقف العديد من المسؤولين الدوليين والسفراء العرب والأجانب على حدّ سواء الأهم من كل ذلك في نظر هذه الأوساط ان الاعتراض القواتي على مبادرة التسوية المطروحة التي حركت مسألة الاستحقاق الرئاسي بقوة لأول مرّة على هذا النحو بين مختلف الأطراف السياسيين، لم يقابلها طرح بديل أكثر أهمية وقبولاً من معظم الأطراف واللاعبين الأساسيين بالرغم من الملاحظات والاعتراضات القائمة بخصوصه من جميع الأطراف من دون استثناء، بل جوبهت المبادرة بالرفض المطلق لاعتبارات ومصالح ضيقة والذهاب نحو التلويح بخيار دعم ترشيح عون للرئاسة، الأمر الذي يزيد في تعقيد أزمة الانتخابات الرئاسية وإطالة امدها في ظل الرفض والرفض المضاد، الا إذا كان الهدف المخفي وراء كل ذلك هو قطع الطريق نهائياً على وصول أي من المرشحين المطروحين للرئاسة وافساح الطريق لوصول مرشّح آخر من خارج الأسماء المتداولة حالياً، الا إذا كانت الحسابات بخصوص ذلك خاطئة مع استمرار بقاء مبادرة التسوية قائمة حتى الآن بالرغم من تباطؤ تنفيذها مرحلياً بفعل التداعيات السلبية لتدهور العلاقات السعودية الإيرانية على الأوضاع في لبنان والمنطقة ولكن هذا لا يعني موتها نهائياً كما يعتقد البعض ذلك.