Site icon IMLebanon

مسرحيات على مين؟

 

 

سيكون العام الأخير من العهد حافلاً بالمسرحيات، على الأرجح. والأمر لا يتعلق فقط بالمناورات المرتَّبَة بإتقانٍ، والتي توحي بوجود تنازع بين أركان منظومة السلطة (عون وباسيل- الثنائي الشيعي- ميقاتي والحريري)، بل أيضاً بالمناورات التي تُحضِّر لها المنظومة مجتمعةً، وتريد تمريرَها على المجتمع الدولي والعرب، بهدف التأمين على رأسها لسنوات مقبلة.

في الدرجة الأولى، يجدر التأكيد على أمرٍ محسوم، وهو أنّ منظومة السلطة التي يقودها «حزب الله» تضع أمامها هدفاً واحداً في الفترة المقبلة، وهو استمرار سيطرتها على السلطة، بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال عون. ولذلك، إنّ العقل الذي يديرها أعدَّ كل الخطط اللازمة لئلّا تتفكَّك تحت أي ظرفٍ كان، ما يهدِّد باحتمال خسارتها للسلطة.

على هذا الأساس، لا مجال لوقوع خلاف حقيقي بين عون و»حزب الله»، لأنّ لا بديل لهما معاً من التحالف. والدليل هو أنّ التهويل بكلمة نارية يلقيها الرئيس، ويستهدف فيها «الحزب»، انتهت مجرد كلمة وجدانية شاعرية تطرح الأفكار غير القابلة للبحث في الوقت الحاضر.

وأما التنافس وسوء المزاج بين عون والرئيس نبيه بري فـ»الحزب» جاهز دائماً لمعالجتهما عندما يتفاقمان، بما يضمن مصالح المنظومة. وعملية «رفع الصوت» التي يلجأ إليها عون وباسيل اليوم لا تتعدّى كونها عملية «تجميل» للصورة، أمام الرأي العام المسيحي واللبناني والعربي والدولي.

أما المناورة الكبرى التي تحضّر لها المنظومة متكافلة متضامنة تجاه المجتمع الدولي والعرب، فستظهر فصولها بدءاً من العام المقبل، وتقوم على الآتي: «نحن مستعدون للتجاوب مع شروطكم في الإصلاح داخلياً والنأي بالنفس إقليمياً. إذاً، فكّوا الحصار المضروب علينا، وافتحوا «حنفية» الدولارات مجدداً».
الأمر الوحيد الذي تعمل له اليوم قوى السلطة، هو الحصول على الدولارات من الدول والمؤسسات المانحة، لئلا تسقط بالكامل تحت وطأة الانهيار المالي والنقدي والاقتصادي والاهتراء الإداري الذي بدا محتوماً في الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة.

فقد وصلت هذه السلطة باهترائها إلى مكان يشكّل خطراً عليها، حيث الإدارة والأجهزة والمَرافق مهدّدة بالتلاشي تماماً. فلو استمرّ الدولار بالصعود إلى الـ40 دولاراً قبل نهاية العام، كما كان يجزم البعض، لكانت الكارثة قد فرضت تداعيات يصعب تخيُّلها.

فلا أحد يستطيع إجبار موظف في القطاع العام أو قاضٍ أو أستاذ أو عسكري على أن يأتي بالقوة إلى مركز عمله. وإذا كان لا يقوى على توفير الخبز وحبّة الدواء والفواتير الشهرية، فكيف يُطلب منه دفع أكلاف النقل للحضور إلى مركز الخدمة؟

لذلك، بدأت قوى السلطة تَتَّبع خطة جديدة من نوعها، في الأسابيع الأخيرة، وتقضي بالإيحاء بالتجاوب مع متطلبات الإصلاح والشروط العربية والدولية، بما في ذلك مسايرة المملكة العربية السعودية، وتسهيل الوصول إلى نتائج في مفاوضات الناقورة، وإطلاق الوعود بإجراء الانتخابات النيابية وتحريك الحكومة، والاستجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي.

وفي هذا السياق تحديداً، تبدو التطورات الجارية في الملف المالي- النقدي في الأسابيع الأخيرة. فليس عبثياً تحديد نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي كانون الثاني أو شباط المقبلين موعداً مبدئياً لتوقيع اتفاق مبدئي مع الصندوق. ويترافق ذلك مع جهود مقصودة للمعنيين، بهدف الإيحاء بأنّ لبنان يتقدّم نحو الالتزام بالشرط الأساسي الذي يطالب به الصندوق، أي توحيد سعر صرف الليرة.

ومن المثير أن يُفاجأ الموظفون في القطاعين العام والخاص والمودعون بإشاراتٍ، ولو سطحية، توحي بأنّهم سيبدأون جميعاً بالحصول على شيء من الدولارات النقدية من المصارف، للمرّة الأولى منذ فترة طويلة، فيما كانت التجربة السابقة، بالتعميم 158، محدودة بفئة معينة من المودعين.

ويتزامن ذلك مع توقّف الدولار عن صعوده الصاروخي في السوق السوداء، عند عتبة 27 ألف ليرة، ولو مرحلياً، بل الاتجاه إلى خفض سعره ليقترب من تسعيرته في المنصة. وكانت تسعيرة السحب من المصرف قد رُفِعت فجأة من 3900 ليرة إلى 8000 ليرة، وبعد أيام قليلة من إعلان حاكم المركزي رياض سلامة أنّه لن يلجأ إلى هذه الخطوة خوفاً من خلق سيولة بالليرة تُسرِّع في انهيارها.

فتراجُع سلامة يعود إلى القرار المتخذ بالاقتراب من مطلب صندوق النقد، توحيد سعر الصرف، أو على الأقل الإيحاء بالتجاوب مع شروطه. وتزامناً هو حدَّد حاجة لبنان الملحّة من المساعدات بما بين 12 مليار دولار و15 ملياراً.

ويردِّد العديد من الخبراء أنّ القطاع المصرفي استطاع ردمَ جزء من الفجوة المالية بسبب التعدُّد المتعمّد لأسعار الصرف، فبات التفاوض مع الصندوق على «خطة التعافي» أسهل. لكن مأزق لبنان الحقيقي يتعدّى الجانب التقني والأرقام.

وفي الخلاصة، إنّ مساعدة الصندوق والمجتمع الدولي والعرب للبنان لن تتحقق إلّا إذا تجاوب في الملفات السياسية، من الإصلاح الداخلي إلى دور «حزب الله» الإقليمي وصولاً إلى مفاوضات الناقورة. وهذه أمور لا ترغب المنظومة في التجاوب معها إطلاقاً لأنّها تعني نهاية سيطرتها على السلطة.

وكل ما في الأمر هو أنّ المنظومة تبذل جهدها للإيحاء بأنّها على وشك تنفيذ خطة متناسقة تستجيب للمطالب الدولية، وتأمل أن تنجح بذلك في تحصيل الدولارات، ما يكفل تمرير العام الأخير من عهد عون، وما يتخلّله من استحقاقات دستورية حساسة.

وقد تولّى الرئيس نجيب ميقاتي إبلاغ الفرنسيين باستعداد لبنان للتجاوب، وطلب وساطتهم لإقناع الأميركيين والعرب. وجاءت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس للبنان في سياق الوعد الذي قدّمه لبنان بتسهيل التسويات. وفي المبدأ، ستنفّذ المنظومة خطوات متسارعة، مطلع العام الجديد، للإيحاء بالتزاماتها وتسريع حصولها على المال.

ولكن، هل ستنجح المحاولة؟
الخبراء يبدون شكوكاً في استعداد المجتمع الدولي والعرب في منح المنظومة فرصة جديدة لإثبات صدقيتها. والدليل هو الأخبار التي وردت في الأيام الأخيرة من الخليج، والتي تُوجِّه أصابع الاتهام مجدداً إلى «حزب الله»: من ملف تهريب المخدرات إلى الداخل السعودي، إلى استمرار تدريبه للحوثيين في اليمن. وتوقيت الاتهامات الأخيرة له ارتداداته على الواقع اللبناني الداخلي.

وعلى الأرجح، ستصطدم مسرحيات السلطة بالجدار الدولي والعربي السميك. ولذلك، هي لن تُرزَق بأي دولار، لأنّ المجتمع الدولي والعرب جرَّبوها كثيراً، ولم تعد المسرحيات تنطلي على أحد.