IMLebanon

المارونية السياسية في عهد جبران باسيل

لا يجتمع اثنان مهتمان بالسياسة في لبنان إلا ويكون موضوع وزير الخارجية وصهر رئيس الجمهورية جبران باسيل هو موضوع الحديث. تبدأ التساؤلات عن مصير البلاد بالسؤال عن موقفه من القضايا المطروحة. وتمر التحليلات والتوقعات من البحث عن حساباته في هذا الموقف ورهاناته في ذاك.

والحق أن للرجل حيوية لافتة وشهية هائلة للحضور في كل الملفات السياسية المطروحة في لبنان. وهو صاحب موقف وعصب سياسي لا يمكن تجاهله. فيه أشياء قليلة من كثيرين سبقوه. فيه من نزق عمه الرئيس عون، وينتحل شيئاً من ملامح بشير الجميل في خطابه المسيحي، وفيه من كميل شمعون ذاك الاندفاع لجعل مكتبه بوابة عبور لكل الملفات والقرارات…

لكنه في هذا الخليط يصير حالة تخسر خصائص الأجزاء كلٌّ على حدة، لصالح مجموع هجين وبائس في آن.

كُلف الرئيس الأسبق نجيب ميقاتي تشكيل حكومته بعد انقلاب سياسي على حكومة الرئيس سعد الحريري، قبل انطلاق الثورة السورية بشهر، وشكّل حكومته بعد الثورة بثلاثة أشهر. يومها سُميت حكومة ميقاتي حكومة «جسر الشغور»، لأن تشكيلها تزامن مع استعادة جيش الأسد لمدينة جسر الشغور من أهلها المنتفضين، بدموية مرعبة شكّلت مؤشراً إلى ما ينتظر السوريين في السنوات التي تلت…

اليوم يبدو جبران باسيل كمن يريد تشكيل «حكومة درعا» على وقع التطورات في جنوب سوريا، وما يبدو أنه حبل نجاة لنظام الأسد برعاية روسية أميركية إسرائيلية. يستبق تشكيل الحكومة ليعلن أن العلاقات اللبنانية – السورية ستعود كاملة وأن هذا مصلحة للبنان، ظناً منه أنه يركب موجةً أحسن رصدها في تطورات المنطقة وتقلباتها، وأن عودة الأسد هذه هي خسارة لخصومه في لبنان تستحق الاستثمار فيها والبناء عليها، وربما تؤهله هو ليقود بشخصه وحزبه إعادة هندسة العلاقات اللبنانية – السورية… ابتعاد عن الدور الذي لعبته المارونية السياسية في مطالع الحرب الأهلية منتصف سبعينات القرن الماضي مع حافظ الأسد، وانعدام تام لفهم الوقائع في البلد الجار، المحكوم بتوازنات أضعف ما فيها هو الأسد نفسه.

ولا ينتبه باسيل إلى أنه في موقفه المستعجل من سوريا، يُسقط البقية الباقية من صورة النضال المسيحي التي يحب أن يلبسها. ففي حين أن الرجل لا يكلّ من تذكيرنا بموقعة «7 آب 2001» يوم قمعت أجهزة الأمن اللبنانية مئات الطلاب المتظاهرين ضد الوصاية السورية، تراه يستعجل القفز فوق سوريا الممزقة وشعبها الذي هُجِّر ونزح منه أكثر من نصفه وقُتل وجُرح من بنيه أكثر من طاقة أحد على التعداد… كيف تستوي الاستعادة لمظاهرة طلابية، هي جزء بلا شك من نضال اللبنانيين ضد وصاية الأسد، مع الإهمال لمعاناة السوريين والحماس غير الضروري لعلاقات كاملة من نظام الوصاية نفسه؟

لغة الوزير باسيل عن حقوق المسيحيين تخاطب بلا شك حنيناً مسيحياً للجمهورية الأولى ما قبل الطائف، ولتركيبة نظام سياسي كان لرئيس الجمهورية فيه الموقع الأساس. كما تخاطب عند المسيحيين تجربة تهميش وتغييب مؤلمة في حقبة الوصاية السورية على لبنان واشتراك الشركاء المسلمين فيها إما اضطراراً وإما قناعة. يبني باسيل خطابه على هذا الحنين والغبن ويتصدر صفة الاصطدام بـ«الآخر» بوصفه «مسيحياً قوياً» يحمي أبناء جلدته ومصالحهم وحضورهم وكرامتهم ومستقبلهم.

يصطدم الوزير باسيل بثلاثي القيادات الإسلامية. يصطدم بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط واضعاً فيتو على حصته الوزارية، ومشترطاً توزير الأمير الدرزي طلال أرسلان الذي ما كان له أن ينجح في الانتخابات النيابية الأخيرة لولا أن جنبلاط ترك له مقعداً شاغراً.

ويُبدي حرصاً على تمثيل الدروز، فيما ينشط للاستئثار بالتمثيل المسيحي حتى على حساب من تفاهم مسبقاً معهم على التحاصص والقسمة!

وسبق أن اصطدم برئيس مجلس النواب نبيه بري، ونجح في الترويج لهذا الاشتباك بوصفه مفصلاً من مفاصل كسر هيبة رئيس المجلس. ويصطدم، في صمت، برئيس الحكومة سعد الحريري في الملفات الرئيسية التي تطال السياسات العامة حول النازحين وعلاقات لبنان الخارجية، كما يصطدم بصلاحية رئيس الحكومة تشكيل حكومته من خلال الإيحاء المستمر بأنه شريك في التأليف.

لكن يتبدى العجز في تجنب الاصطدام بـ«حزب الله» في ذروة الصراخ على السيادة والاستقلال والكرامة والوجود والدور، وربما التناسي أن العائق الأول أمام سيادة حقيقية للبنان، كل لبنان، ولدور طبيعي لهذا الوطن الصغير، هو «حزب الله» بسلاحه وسياسته ومشروعه.

هكذا تستوي نظرة الوزير باسيل للمارونية السياسية في أكثر لحظات لبنان انكشافاً وبلا أي أفق لا للوطن ولا لمسيحييه.