Site icon IMLebanon

المارونية السياسية بنكهة إيرانية

 

هناك توقٌ دائم في لبنان للعودة الى المربع الأول، وإمعان في إنكار دور الجغرافيا السياسية وتأثيرات علم الإجتماع في صياغة الحياة السياسية بقواعدها وتوازناتها. لدى سياسيِّي لبنان، سياسيِّي الصدفة إصرار على تكرار التجارب المؤلمة على خلفية الإحساس بثقة عارمة بالنفس والقدرة على تغيير المقاييس ورهانات واهمة فوق جغرافيا لا تجدّ لها حدوداً. أدوات التغيير المفترضة للتأثير على الرأي العام غرائزية طوائفية وإعلام تخلّى عن موضوعيته ورهان على قوى الخارج أضحى صناعة لبنانية بامتياز يتوارثها من تسنح لهم الظروف الطائفية والإقليمية بالتسلط على المشهد السياسي.

 

لا يمكن الا التوقف عند حالتيّ الإنحدار والإنفلات اللتين بلغتهما اليوميات السياسية في لبنان، ولا أقول الحياة السياسية والوطنية في لبنان، لأنه لا حياة سياسية حيث لا احترام لدستور ولمؤسسات، ولا وجود لحياة وطنية حيث لا احترام لسيادة ولا وجود لسلطة وطنية. يوميات الأسبوع المنصرم وتحديداً التصريحات الزاخرة بالمفردات للوزير جبران باسيل وتصريحات الأمين العام لحزب الله حملتا أكثر من دلالة على سقوط المقومات البديهية لبناء الحدّ الأدنى من الحياة السياسية والوطنية.

 

الشعور العارم بالإعتزاز الذي أبداه  الوزير جبران باسيل عند استخدام مصطلح «المارونية السياسية» في زياراته الى منطقة البقاع لم يحجبه تنكّره لكلّ الطائفيات السياسية في تصريح لاحق. عبارتك الفاقعة يا معالي الوزير «السنيّة السياسية أتت على جثة المارونية وسلبت كل حقوقها ومكتسباتها، ونحن نريد استعادتها منهم بشكل كامل» عبّرت بكل وضوح عن «ثأر تاريخي إفترضته» تحت عنوان طائفي وسياسي.

 

إذا كنت تعتبر يا معالي الوزير أنّ المارونية السياسية هي ميزة تفاضلية في الحياة السياسية في لبنان وهي التي خطّت مجد لبنان، فمن المفيد التذكير أنّ المارونية السياسية ليست وليدة لحظة وطنية أجمع عليها اللبنانيون، بل هي نتاج تضافر الإنحلال العثماني مع صعود الإستعمار الغربي وهي تفلتت في عهد الإنتداب من كل روادع المحاسبة، متسلّحة بسلطته التي كانت تحتكر كل مفاصل السلطة، عبر المفوض السامي الذي انتقلت صلاحياته كاملة، بعد زوال الانتداب، الى رئيس الجمهورية فوق صلاحياته الأصلية، من غير أن يرافق ذلك أي تغيير في الدستور.  وهي حكمت لبنان بنظرية الإنتداب وبامتيازات شكّلت إنتقاماً لعهود سابقة، فأنتجت حاكماً للبنان لا رئيساً لجمهوريته يعقد وحده المعاهدات ويعلن الحروب ويحلّ المجلس النيابي ويقيل الوزراء. وفيما كانت المارونية السياسية تنتقد الحكم الشمولي العربي المتخلّف مارس رئيس جمهوريتها الديكتاتورية نفسها، ولكن بلبوس ديمقراطي برغم أنّه ما من رئيس إنتُخب قبل إتّفاق الإقليم والغرب عليه مسبقاّ.

 

المارونية السياسية عارضت الرئيس بشارة الخوري رئيس جمهورية الإستقلال الأولى التي انبثقت عن الميثاق الوطني لأنه تخلّى عن فكرة الضمانة الفرنسية وتعاون مع الدول العربية، وأخذت جمهورية كميل شمعون الى التفرد بتحالفات معاديّة للمحيط العربي فذهبت بثورة شعبية. المارونية السياسية كغيرها من الطائفيات، تمقت المؤسسات، لأن النظام يعرقل سيطرتها ويجعل من المواطن صاحب حق وواجب أمام الدولة فيما هي تريد الإبقاء على علاقة زبائنيّة معه. هكذا عاملت المارونية السياسية مشروع فؤاد شهاب، الذي أدخل على الدولة أقصى ما يمكن أن يقدّمه نظام كالنظام اللبناني، بسلبية ظاهرة  فمشروعها ليس بناء دولة بل بناء نفسها تسلُقاً على الدولة.

 

المارونية السياسية يا معالي الوزير لم تفهم حقيقة التطور المجتمعي والإحساس المتنامي باللامساواة في المجتمع اللبناني، وأصرّت على تقسيم اللبنانيين الى مواطنين وذميين، فاصطدمت بالبرنامج المرحلي للحركة الوطنية الذي تحوّل نتيجة الظروف الإقليمية الى أحد محفزات الحرب اللبنانية. واليوم تسجلّ المارونية السياسية الجديدة في كلّ يوم تجاهلاً لإتّفاق الطائف وللمؤسسات يعبّر عنه تجاوز أبسط القواعد الدستورية والإسفاف في الأدبيات السياسية لدى تناول الأساتذة الجامعيين أو الخصوم السياسيين، بما يشكّل حافزاً لمقاومة سياسية تحت عنوان حماية الدستور ووقف الإنهيار.

 

نهوض المارونية السياسية الجديدة التي تترك ندوباً عميقة في الحياة السياسية والإستقرار الوطني، لاقاها خطاب الأمين العام لحزب الله في الإعتراض على التزام لبنان بميثاق الجامعة العربية. إعتبر الأمين العام أنّ موقف الوفد اللبناني الى القمّة العربية لا ينسجم مع البيان الوزاري وهو موقف غير مقبول ومرفوض ومُدان ولا يعبّر عن موقف لبنان بل يعبّر عن موقف الأشخاص المشاركين والأحزاب التي يمثّلوها. كان على رئيس الحكومة المشارك في القمّتين العربية والإسلامية أن يستكمل خروج لبنان عن محيطه العربي وأن يُمعن أكثر في عزلة لبنان التي رسم خطوطها العهد القوي لكي يصبح جزءاً من المارونية السياسية الجديدة.

 

المارونية السياسية التي رافقت تأسيس الكيان اللبناني أتت بنكهة غربية فرنسية، يبدو أنّ المارونية السياسية الجديدة آتية هذه المرة بنكهة إيرانية…