رفعت عملية اغتيال المسؤول الفلسطيني في صيدا مستوى القلق وطرحت الأسئلة حول الخلفيات الفعلية لهذا الاغتيال والأهم السبب في اختيار التوقيت.
فالعبوة التي زُرعت في داخل السيارة رجحت فرضية أنّ الفاعل هو فلسطيني لكن هل إنّ الجهة التي أمرت بالعملية انطلقت من خلفيات النزاع على السلطة داخل حركة «فتح» وهو ما شهد جولات في هذا الاطار سابقاً؟
أم أنّ له علاقة بالنزاع للسيطرة على المخيمات بين مختلف التيارات الفلسطينية، خصوصاً بعد التفاهم بين السلطات اللبنانية المعنية بأمر المخيمات وحركة «فتح» على التعاون والعمل معاً لضبط الوضع الفلسطيني وتضييق مساحة عمل التيارات الاسلامية التي «تشتهي» الانطلاق من المخيمات للضرب داخل المناطق اللبنانية الحاضنة لحزب الله.
يُقال إنّ فتحي زيدان كان ممسكاً بمخيم المية ومية بكامله وما منع التيارات الإسلامية من الدخول اليه. فهل هذا يعني أنّ القاتل أراد بعملية الاغتيال فتح أبواب المخيم أمام خلاياه؟
والمعروف أنّ زيدان كان على تنسيق مع السلطات اللبنانية منذ فترة طويلة إضافة الى قيادات أخرى في حركة «فتح»، وهذه القيادات كانت تتعرّض لاستهدافات أمنية، وأخيراً اغتيل الشقيق الثاني لأحد كوادر فتح الميدانيين في عين الحلوة ما أدى الى اشتباكات عنيفة.
يومها بدت السلطات اللبنانية راضية على فكّ الترابط الذي كان قائماً بين التنظيمات الإسلامية، خصوصا بين تنظيمَي «عصبة الأنصار» و»الشباب المسلم» وبين التنظيمات الإسلامية الأخرى الأكثر تطرّفاً.
كذلك اعتبرت السلطات الأمنية اللبنانية أنّ إرسال «داعش» مقاتلين من داخل المخيم الى الرقّة السورية مؤشراً الى عدم وجود نية للخربطة الامنية داخل عين الحلوة. قد يكون ذلك صحيحاً، لكن ما معنى اختيار هذه اللحظة بالذات لتصفية قيادي من حركة «فتح» على يد مجموعة تمتلك الخبرة الممتازة في تنفيذ عمليات كهذه، ما يعني أنها تدرك جيداً أهمية اللحظة المنتقاة.
ففي الداخل اللبناني قنبلتان كبيرتان تشكلان تهديداً جدّياً للاستقرار الأمني. الأولى فلسطينية، والثانية سورية. وفي هذه المرحلة تبدو اللعبة الإقليمية عند منعطف حاد وأساسي مع تثبيت الحلّ السياسي لسوريا تمهيداً للقضاء على «داعش» بعد تحديد «ورثته».
وعلى خطّ مواز نزاع لا يقلّ خطورة بين الداعين للانضمام الى التسوية السلمية وفق شروط مفاوضات جنيف حيث بدأت مرحلة تحديد معنى المرحلة الانتقالية تحت الرعاية الاميركية – الروسية وبين المراهنين على شروط أفضل من خلال الحسم العسكري والذي يرتكز على إمساك النظام السوري وحلفائه بحلب كاملة، تلك المعركة التي تبدو قريبة.
وهنا أهمية اللحظة الامنية في لبنان، فهل عملية اغتيال زيدان محدودة في إطارها واسبابها الفلسطينية؟ أم أنها تتماهى مع مشروع اكبر للتنظيمات المتطرفة لهزّ الامن في لبنان تخفيفاً عن كاهل «داعش» و«جبهة النصرة» في سوريا؟ الاشتباكات في جرود عرسال ورأس بعلبك تعزّز الاحتمال الثاني.
في هذا الوقت وفيما المنطقة تعيش أزمة خيارات مصيرية وتحدّيات رسم صورة المستقبل يُغرق لبنان في «واحة» معارك الانتخابات البلدية. البعض يعتبر هذه الانتخابات ترفاً وسط الزلازل التي تضرب سوريا، فيما البعض الآخر يراها ضرورة حتمية لتأكيد صورة النظام الديموقراطي في لبنان والتمسك بورقة تبادل السلطة، وسط ما يصيب الاستحقاق الرئاسي اللبناني وآفة التمديد التي تطاول مجلس النواب.
أيّا يكن الرأي الصائب إلاّ إنّ الكلّ مُجمع على أنّ إرجاء الانتخابات البلدية مسألة غير واردة، ذلك أنّ الترتيبات الإدارية اكتملت ولم يعد من الممكن العودة عنها إلّا في حالة العذر الأمني. وإذا كانت السفارات الغربية تُبلِغ الى المسؤولين اللبنانيين تمسّك بلدانها بإنجاز هذا الاستحقاق واضعة إياه في إطار استمرار اللعبة الديموقراطية ولو في حدّها الادنى، إلّا أنّ ذلك لا يمنع تركيزها على الزوايا السياسية التي تنتظر استخلاصها من هذه الانتخابات في حال حصولها.
مثلاً، ما هي قدرة تيار «المستقبل» بعد كلّ ما أصابه من أزمات سياسية ومالية، إضافة الى قدرته السياسية والشعبية في ظلّ أخذ السعودية مسافة من الساحة السنّية في لبنان وانشغالها في مواجهة مفتوحة مع حزب الله، فيما «المستقبل» يبقى على طاولة الحوار معه انسجاماً مع الرغبة الغربية؟»
كذلك، كيف يتفاعل «المستقبل» مع الفريق المسيحي المحسوب عليه، بعد المستجدات الرئاسية الأخيرة؟
أما على المستوى الشيعي فإنّ المتابعة الغربية ستتركز على النقطة التقليدية المتعلّقة بوضع العشائر الشيعية مع حزب الله وتقاسم الساحة الشيعية بين «حزب الله» وحركة «أمل»، لكنّ النقطة المستجدة وهي الأبرز فتتعلّق بجسّ نبض الشارع الشيعي حيال الحزب بعد انخراطه في الحرب في سوريا وتأثير العدد الكبير من خسائره على العائلات الشيعية أكان في البقاع أم في الجنوب وطبعاً في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وبالنسبة الى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط تأثيرات المناخ السنّي الجديد وتصاعد نفوذ التيارات الإسلامية على منطقة إقليم الخروب التي شهدت في المراحل الماضية تراجعاً لافتاً للتأثير الجنبلاطي عليها في مقابل نموّ التيارات الأصولية وهي التي تمثل لجبنلاط عاملَ قلق دائم، لا بل هاجساً، ولو مكبوتاً، يعمل على معالجته على طريقة «الحكمة» الدرزية. كذلك مدى تأثير المصالحة المسيحية ـ الدرزية على نفوذ جنبلاط في البلدات المختلطة حيث يراهن جنبلاط على ولاء نسبة 20 % لقيادته السياسية.
يبقى الشارع المسيحي وهو الذي يعيش «هزات» النزاع على رئاسة الجمهورية وبالتالي قراءة انعكاس ذلك على التقسيمات الشعبية من خلال مؤشرات ولو «بلدية». فبعد لقاء معراب ساد مناخ إعلامي بأنّ الساحة المسيحية باتت في قبضة «التحالف الجديد» بنسبة 86 %، وانسجاماً مع ذلك تمّ الإعلان عن النّية بخوض الانتخابات البلدية لتأكيد هذه النسبة، لكن سرعان ما اصطدم ذلك بواقعية الارض.
يعتقد سفير دولة اوروبية بارزة أنّ «الثنائي المسيحي» أخطأ الدخول في ورشة البلديات وفق هذا العنوان لينطلق بعدها الى الانتخابات الرئاسية والنيابية لأسباب عدة أهمها:
إنّ الإيحاء باختصار الساحة بنسبة 86% دفع بالقوى الاخرى الى التكتل تلقائياً في وجه الثنائي الحزبي على أساس أنها معركة موت أو حياة. وهكذا اضطر ميشال معوّض للذهاب الى كنف رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية والتفاهم معه وبالتالي إقفال قضاء زغرتا في وجه الأحزاب وهي النقطة التي كان يطالبه فرنجية بها على الدوام.
كذلك فإنّ التعاطي مع استحقاق بلدي من دون الالتفات الى العائلات إنما يحمل بذور التشقق، فالمعروف علمياً أنّ الرابط العقائدي الحزبي هو أقوى من روابط الجمعيات والإقطاع السياسي، ولكنّ الرابط الديني هو أقوى من الرابط الحزبي.
أما اقوى الروابط على الاطلاق فهو الرابط العائلي والعشائري. ومن هذا المنطلق حارب الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس تنظيم «القاعدة» في العراق من خلال مجالس الصحوات والروابط العشائرية ونجح بذلك في خطته.
ما يعني أنّ العائلة تستطيع اختراق الأحزاب لا العكس، لذلك رفض زياد حواط في مدينة جبيل منح أكثر من مقعدين للاحزاب على لائحته شرط أن يختار هو الاسمين الحزبين. والحواط الذي تعطيه استطلاعات الرأي تفوّقاً واضحاً مطمئنّ الى قوته وهو يراهن على أنّ الثنائية الحزبية تدرك جيداً ذلك ما يفقدها القدرة على مواجهته.
أما فارس سعيد والذي فضّل التوافق مع التحالف الحزبي فهو متأكد من صعوبة حصول تغيير على مستوى رئاسة اتحاد بلديات جبيل «مهما فعلوا». كذلك فإنّ سعي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لاختراق جبل لبنان أثار حفيظة مختلف القوى بما فيها شرائح مؤيّدة لـ»التيار الوطني الحر».
ففي ساحل المتن الشمالي لا يبدو أنّ هنالك تغييرات كبرى، خصوصاً أنّ حزب الطاشناق أبلغ الى الجميع تفضيله بقاء التوازنات البلدية الحالية، وهذا مؤشر مهم لا بدّ من قراءته بتمعّن وترجمته على مستوى الانتخابات النيابية.
وفي زحلة مؤشرات مهمة وهي أنّ «الكتلة الشعبية» أبلغت أنها ستوزّع أصواتها من خلال لائحة بلدية خاصة بها تضمّ المرشحين العونيين، إضافة الى الجزء الأكبر من لائحتها.
لكنّ الأهم هو أنّ تيار «المستقبل» سيوزّع أصواته بين مرشحي «القوات» وحزب الكتائب و»الكتلة الشعبية»، كلّ هذه مؤشرات لا بدّ من اشباعها قراءة ودرساً.