Site icon IMLebanon

سوء الإدارة يُضاعف التداعيات..

 

إفلاس المنظومة السياسية يتجلّى قبل الشغور الرئاسي وبعده، بهذا العجز الفادح بوقف تدحرج الأزمات والإنهيارات التي إجتاحت كل الميادين والقطاعات، وأصبحت تهدد البقية الباقية من مقومات الدولة، وقواعد الإنتظام العام.

سوء الإدارة السياسية لأوضاع البلد ومشاكله تفاقم في بدايات العهد العوني، وبلغ ذروته مع إنفجار الثورة في ١٧ تشرين الأول ٢٠١٩، أي قبل أن يُكمل عون السنة الثالثة من ولايته، وبدأت سلسلة الإنهيارات إثر القرار الغبي بعدم تسديد مستحقات اليوروبوند في شباط ٢٠٢٠، والذي كان بمثابة المعول الذي ضرب جدار السلطة، الذي تساقط حجراً وراء حجر، بسبب سياسات الإنكار والعناد، وبقي البلد بلا حكومة تتصدى للأزمة في مهدها بضعة أشهر، وبلغ التخبط والضياع ذروتهما مع حكومة حسان دياب الهجينة، وجاء إنفجار المرفأ في ٤ آب ليزيد من مضاعفات الواقع المرير الذي هيمن على حياة اللبنانيين، بعدما بشّرهم رئيس الجمهورية بالسقوط إلى جهنم، عوض تطمينهم بأن السلطة أعدت من الخطط ما يلزم لتخفيف وطأة الإنهيارات المالية والإجتماعية المتسارعة مع تفلت أسعار الدولار بسرعة صاروخية.

تبقى الكهرباء المثل الأوقح والأكثر صخباً لسوء الإدارة. إستلم وزراء التيار العوني حقيبة الطاقة، والبلد «ينعم» بساعات مقبولة من الكهرباء، تتراوح بين ١٤ و٢٠ ساعة في اليوم، وعجز مؤسسة الكهرباء كان تحت السيطرة نسبياً. واليوم يغرق البلد في العتمة الشاملة، وعجز الكهرباء يُقدّر بنصف المديونية العامة تقريباً، ومازال التيار العوني متمسكاً بهذه الوزارة، رافضاً الإعتراف بالعجز والفشل، ورافعاً شعار «ما خلّونا نشتغل»!

أخطر المشاكل التي يعانيها هذا الوطن المعذب، تكمن بتحول سوء الإدارة إلى نهج في السلطة، يرفض أهل الحكم الإعتراف بمساوئه، بل ويصرون على الإستمرار على منواله، ضاربين مصالح البلاد والعباد عرض الحائط. وبواخر الفيول والغاز المنتظرة في عرض البحر لتفريغ حمولتها، تحت طائلة تحميل الخزينة عشرات الآلاف من الدولارات يومياً، لدليل آخر على إدانة المنظومة الحاكمة بسوء الإدارة والفساد، والإستهتار بمصالح البلاد والعباد.

وما يجري اليوم على صعيدي الحكومة ومجلس النواب يبقى مشهداً آخر من مآسي سوء الإدارة السياسية، التي تتبارى الأطراف الحزبية والكتل النيابية في ممارساته الكارثية، حفاظاً على مكاسب شعبوية سخيفة، ضررها الوطني والمستقبلي لم يعد خافياً على أحد.

تعطيل جلسات مجلس الوزراء للبت في الأمور الإستثنائية والعاجلة، دخل ميدان المباريات الفئوية والطائفية، دون طرح أي بديل يلبي حاجات الناس الطارئة، ويساعد على الحفاظ على الحد الأدنى لوجود الدولة.

وكذلك الحال في مجلس النواب، فريق يُماطل بإنجاز الإستحقاق الرئاسي بإستخدام الورقة البيضاء، وفريق آخر يرفض الحوار للملمة الصفوف، وتحديد الحد الأدنى من المواصفات أو المقاربات، للتخفيف من أعباء الشغور الرئاسي، وتسريع خطى إنتخاب الرئيس العتيد.

ولا بد من الإعتراف بأن «سرطان» سوء الإدارة قد وصل إلى الجسم القضائي، عبر عرقلة وتعطيل التحقيقات في الملفات الساخنة، وفي مقدمتها إنفجار المرفأ. ثم جاء الإعتكاف المديد للقضاة إحتجاجاً على تدني قيمة رواتبهم، ليزيد الهوة تباعداً بين القضاء والأكثرية الساحقة من اللبنانيين، الذين تعطلت أعمالهم وتهددت مصالحهم، بسبب سقوط القضاء في غيبوبة الإعتكاف أكثر من خمسة أشهر.

وفتح تقصير القضاء اللبناني القيام بدوره في زمن الأزمات والفضائح والفساد، أبواب التدخل القضائي الخارجي ببعض الملفات المالية والمصرفية، حيث يصل اليوم الوفد القضائي الأوروبي ليباشر تحقيقات ميدانية مع كبار المسؤولين عن الإدارة المالية والنقدية، وجلاء ملابسات التحويلات المليارية إلى الخارج في بداية إندلاع الأزمة المالية في لبنان.

ومن سخريات القدر أن المتباكين على السيادة، وإستقلال القضاء اللبناني وحصانته من أي تدخل أجنبي هم، بمعظمهم، من الذين تحوم حولهم علامات الإستفهام، والشكوك بأدوارهم المشبوهة إبان المحنة المالية والنقدية التي ضربت البلد.

لبنان واحد من عشرات البلدان التي ضربتهم عواصف الأزمات المالية والإجتماعية، خلال وبعد محنة الكورونا التي شلّت العالم كله. ولكن الفارق بين لبنان والبلدان الأخرى أن قياداتها تُبادر ليس إلى إدارة الأزمة بحصافة وواقعية وحسب، بل تُسارع إلى إتخاذ الإجراءات المناسبة للحد من التداعيات، والمباشرة بإصلاح الأنظمة والقوانين التي تسربت منها رياح الأزمات.

مصر والدول الأوروبية تُعاني حالياً من تداعيات الحرب في أوكرانيا، ولكن القيادات السياسية، والمرجعيات المالية والإقتصادية عاكفة على المعالجات الضرورية، والتفلت من حصار الأزمات بأقل قدر ممكن من الخسائر. حتى سيريلانكا إستطاعت أن تمشي في طريق الإنقاذ خلال فترة زمنية قياسية، بعد الإطاحة برئيس الجمهورية وإدانته بالفساد، وأبرمت إتفاقاً مع صندوق النقد الدولي خلال أسابيع، وهو ما فشلت به المنظومة الحاكمة في لبنان، بسبب سوء الإدارة على مدى سنوات الأزمة حتى اليوم. وكذلك الحال مع قانون الكابيتال كونترول الذي أصبح من لزوم ما لا يلزم في لبنان، بعد ثلاث سنوات من إندلاع المحنة، وبعدما شارفت عمليات التحويل والتهريب إلى الخارج على نهاياتها الغادرة.

فمن يُنقذ لبنان من سوء إدارة هذه الطغمة الفاسدة؟