إقتراح برّي تأجيل القمة يُصيب عون مباشرة.. ومخاوف من عبور غير هادئ لـ «الحدث العربي»
أولى علامات تعافي نظام الأسد ستكون التمدّد إلى لبنان بوصفه حديقته الخلفية
لم تعد مُجدية المُسكّنات للتخفيف من حجم الأزمة السياسية في البلاد. يرتفع منسوب التفاؤل بقرب ولادة الحكومة في اليوم الأول ويخبو في اليوم التالي. يتسم المشهد العام بـ «المهادنة» تارة وبـ «التأزيم» تارة أخرى. ليس من المبالغة القول إن الواقع اللبناني يُواجه راهناً انسداداً في الأفق على المستويات كافة.
فالكلام الحاسم عن تأليف قريب جداً للحكومة، الذي سرى في أوساط رئاسة الجمهورية وعززه موقف وفد «حزب الله» من أمام الصرح البطريركي، تبخّر لمصلحة البحث الجـدّي عن إمكانية تفعيل حكومة تصريف الأعمال وانعقادها تحت عنوان «جلسة طوارئ مالية» لإقرار مشروع موازنة العام 2019. دَفْعُ رئيس مجلس النواب نبيه برّي بهذا الاتجاه يُعزز الاستنتاج بأن القوى السياسية تُعدّ عدّتها للتعامل مع المرحلة المقبلة بأن لا حكومة في المدى المنظور.
على أن واقع لبنان بلا حكومة يمكن احتواء تداعياته، رغم حال الاختناق المعيشي والاقتصادي والتحدّيات المالية أمام الدولة ومخاوف انهيار الوضع النقدي، إذا تحقق «توافق الحدّ الأدنى» بين مكوّناته السياسية، أو تعايش الضرورة بينها. لكن الخطورة تصبح حتمية مع الانقسام الحاد بين تلك المكوّنات في لحظة انكشاف للساحة الداخلية.
ما يُقلق، هو بوادر ملامسة الاشتباك السياسي الراهن حدود «كسر الإرادات» و«اللاعودة». فالعلاقة بين القوى السياسية الرئيسية المُمَثِلة لطوائفها بلغت مستوى متوتراً، حيث الجمر تحت الرماد. «الثنائي الشيعي» غير مرتاح لما يُطلق عليه «ثنائية باسيل – الحريري»، وعلاقة «حزب الله – باسيل» واستطراداً العلاقة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، متوترة ويشوبها حال من اللاثقة، ووضع الرئيس المكلف سعد الحريري مع رئيس مجلس النواب يعتريه اهتزاز كبير على خلفية ما حمله إليه في لقائه الأخير من اقتراح «تبديل الحقائب»، وحاله مع «حزب الله» ليست بأفضل.
المأزق اليوم مرتبط بعناصر عدّة: عنوان تأليف الحكومة هو أحدها، وسيبقى مستعصياً ما دام يتم، في خلفية الأزمة، ربطه بترتيبات الاستحقاق الرئاسي، وبالتركيبة السياسية التي ستنتج عنها.
لكن عنصراً آخر يتقدّم المشهد، يتمثل بالعلاقة المستقبلية مع سوريا، وهي المعركة التي يرفع لواءها بري من بوابة القمة الاقتصادية المحدد انعقادها في لبنان في التاسع عشر والعشرين من الشهر الحالي. كان يُنظر إلى كلام فريق بري حول ضرورة حضور سوريا القمة، على أنه إعادة «تقديم أوراق اعتماد» لنظام بشار الأسد بعدما تمايزت حركة «أمل» في موقفها عن موقف «حزب الله» لجهة الانخراط في الحرب السورية، ولكن هناك مَن يرى أن بري خطا خطوة أبعد من ذلك، عنوانها الانخراط في المرحلة الجديدة مهما تطلب ذلك من أفعال. وأفاد من مسألة دعوة ليبيا إلى القمة وطَـلَـبْ وزير العدل سليم جريصاتي تفعيل قضية هنيبعل القذافي الموقوف في لبنان، والذي للمفارقة جرى اختطافه من سوريا، لرفع وتيرة مواقفه ورفع جهوزية الشارع الذي يستطيع أن يُحرّكه تحت عنوان عاطفي يتعلق بمسألة تغييب الإمام موسى الصدر.
اقتراح بري بتأجيل القمة إذا لم تكن سوريا حاضرة، وإذا لم تكن هناك حكومة، يصيب رئيس الجمهورية مباشرة، والذي يعتبر أن القمة هي قمة رئاسية، وأن «التشويش» عليها يُضعف مكانته كرئيس، خصوصاً أنه يتوق إلى إدراج الحدث العربي في خانة إنجازات العهد. فكيف سيكون مسار الأيام الفاصلة عن استحقاق القمة؟ وهل أن تأكيد رئاسة الجمهورية بأنها ستعقد في موعدها وبأن التحضيرات متواصلة يعتبر رداً كافياً قادراً على أن يُقدّم إجابات مقنعة للدول المشاركة فيها؟ ومَن يستطيع أن يضمن عدم حدوث فوضى في الشارع؟ هذا إذا سلمنا جدلاً بأن القوى المناوئة للأسد ليس لديها القدرة في منع مجيئه لو قُدّر أن يُعاد معقد سوريا إلى الجامعة عشية القمة.
ليس مِن وهم بأن ما يجري على الساحة الداخلية ليس انعكاساً لما يجري في الإقليم. فتأليف الحكومة عنوان مواجهة، وانعقاد القمة من عدمها هو عنوان مواجهة أيضاً. وستبرز غداً وبعد غد عناوين أخرى للمواجهة.
الاقتناع السائد أن المرحلة المقبلة مفتوحة على التصعيد. يمكن القول أن المشهد اللبناني اليوم أكثر ضبابية من أي وقت مضى منذ التسوية الرئاسية. أحد عناوين المأزق الراهن يراها حلفاء محور سوريا – إيران أنها ترتبط بحالة انتظار الحريري لموقف النظام العربي الرسمي والمملكة العربية السعودية في المواجهة الكبرى الدائرة، وبانتظار ترتيب البيت العربي الذي من شأنه أن يحدد موقع لبنان في قلب المشهد العام.
فالمنطقة تعيش مخاضاً صعباً ستتبلور معه معالم نفوذ اللاعبين الكبار، لكنه قد يحمل معه آلاماً على الساحة اللبنانية التي تشكل أحدى ساحات التواجد الإيراني القوي بفعل نفوذ «حزب الله» فيه، فضلاً عن تواجد طهران على الساحة السورية، في وقت يعتبر حلفاء سوريا أن أولى علامات تعافي نظام الأسد ستكون التمدّد إلى لبنان بوصفه حديقته الخلفية. فالنظام السوري بطبيعته لا يقبل البقاء داخل حدوده، وهو ينتظر التسويات الكبرى ليحدد مداه الحيوي ودوره الوظيفي الإقليمي!.
وإزاء مناخات الانقسام الداخلي، فإن ثمة مخاوف جدية من أن لا يَعْبر موضوع انعقاد القمة الاقتصادية العربية في بيروت بهدوء، من دون ارتطامه بأمواج عاتية، ما دامت في حسابات الحلفاء اللبنانيين للأسد أنهم يريدون عودته إلى حديقته الخلفية من هذه البوابة.