من بين الملفّات المُتعثّرة حتى إشعار آخر، ملف «تلفزيون لبنان» الذي يعيش حالياً إحدى أكثر الفترات صُعوبة وتراجعاً في تاريخه. فما هي قصّة هذا المرفق الحيوي باختصار، وهل من أمل قريب بالنُهوض به من جديد، أم أنّ الخلافات السياسيّة ستقضي على أحلام الإصلاح؟
جُذور المُشكلة تعود إلى نهاية القرن الماضي، حيث لم يتمّ تعيين رئيس وأعضاء لمجلس إدارة «تلفزيون لبنان» منذ أقلّ بقليل من عقدين، كان آخرها المجلس الذي ترأسه الراحل إبراهيم الخوري على مدى 12 سنة وتحديدًا منذ العام 1999 وحتى العام 2013، وذلك بسبب الخلافات السياسيّة بين الرئاسات الثلاث على هذا المنصب، علمًا أنّ ولاية رئيس مجلس إدارة تلفزيون لبنان مُحدّدة بثلاث سنوات فقط، ما يستوجب تبديل شاغل هذا المنصب دورياً. وفي صيف العام 2013، وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي بوضعيّة تصريف الأعمال، أصدر قاضي الأمور المُستعجلة في بيروت جاد معلوف قراراً بتعيين طلال المقدسي مديراً مُوَقتاً بصلاحيات رئيس مجلس الإدارة ـ المدير العام لتلفزيون لبنان، وتعيين الخبير في المُحاسبة جوزف سماحة مديراً مُوَقتاً بصلاحيّات أعضاء مجلس الإدارة، علمًا أنّ هذا القرار القضائي حصر أعمال الشخصين المُعيّنين بما يلزم لتسيير أعمال الشركة فقط. وفتح هذا الأمر الباب واسعاً أمام خلافات داخل مسؤولي التلفزيون أنفسهم لم تنته فُصولاً بعد، وتحديدًا بين المقدسي من جهة وكل من مدير الأخبار والبرامج السياسيّة في التلفزيون صائب دياب، والمدير الإداري كمال العاقل، ورئيس دائرة شؤون الموظفين أمين نجم من جهة أخرى، بلغ بعضها حدّ رفع دعاوى قضائيّة واللجوء إلى المحاكم. وفي 28 أيار الماضي، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت جاد معلوف، قرارا قضى بإنهاء الإدارة القضائيّة المُوَقّتة في شركة تلفزيون لبنان، بعد انتشار الخلافات داخل أروقة التلفزيون.
ودخل وزير الإعلام ملحم رياشي على الخط فأصدر في أيّار الماضي قراراً قضى بتجميد العمل بكل المذكرات والإجراءات التي اتخذها المدير المُوَقّت لتلفزيون لبنان طلال المقدسي، اعتباراً من الأوّل من آذار 2017، أي تاريخ بدء تطبيق الآليّة المُعتمدة في مجلس الوزراء لتعيين الوظائف الإداريّة ـ الفئة الأولى. وكان وزير الإعلام اعتمد وبحسب مصادر مقربة منه آليّة متطوّرة وبعيدة عن المحسوبيّات وعن التزلّف السياسي لتعيين مجلس إدارة جديد لتلفزيون لبنان، بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية ومجلس الخدمة المدنيّة. وبعد فتح باب تقديم الطلبات من قبل الراغبين وفقًا للأصول، تمّت جوجلة هذه الطلبات التي بلغ عددها 138 طلبًا، وإجراء مُقابلات في مجلس الخدمة المدنيّة مع الذين تأهّلوا من بينهم وعددهم 17 شخصاً، ثم جرى في نهاية المطاف إختيار ثلاثة مرشّحين لمرحلة التصفية النهائية. لكن وفي الوقت الذي انتظر الكثير من المُؤمّنين بعمل المؤسّسات وبحق اللبنانيّين في فرص مُتساوية عند التقدّم للوظائف، أن يتم رفع أسماء هؤلاء الفائزين إلى مجلس الوزراء من أجل تعيين أحدهم رئيسًا لمجلس إدارة تلزيون لبنان، جمّدت الخلافات هذا التعيين، وحاولت نسف الآليّة من أساسها.
وبحسب المصادر نفسها حاول وزير الإعلام بشكل دوريّ ولمرّات مُتكرّرة، إضافة بند ملف تلفزيون لبنان إلى بنود البحث على طاولة مجلس الوزراء، لكن من دون نتيجة، وهو حاول أيضاً خلال عدّة جلسات للحُكومة التطرّق إلى الملفّ من خارج جدول الأعمال، لكن في كل مرّة كان يتم تأجيل البحث في هذا الملف بداعي منح المسألة المزيد من الوقت، على الرغم من مُرور أكثر من ستة أشهر على تنفيذ آليّة مُتكاملة لوصول «الشخص المناسب إلى الموقع المناسب» من دون أي وساطات أو تدخّلات سياسيّة.
واشارت المصادر الى أنّه وعلى خطّ مواز، كان المُعارضون لهذه الآليّة يُسرّبون أخباراً مُختلفة عن عدم إمكان نجاحها، تارة بحجّة أنّ هذا المنصب من حق رئيس الجمهورية بحسب الأعراف السائدة في لبنان في التاريخ الحديث، وطوراً بحجّة أنّ هذا المنصب من حقّ شخصيّة إعلاميّة كاثوليكيّة حصراً حفاظاً على التوازنات الطائفية والمذهبيّة الحسّاسة في البلاد. وأضافت الأوساط نفسها أنّه جرى أيضًا تسريب حجّة أخرى لتبرير عرقلة آليّة التعيين التي اعتمدها رياشي، فاعتبر المُعارضون أنّ آلية التعيينات تنطبق على إدارات الدولة ومؤسساتها، في حين أنّ تلفزيون لبنان مصلحة مُستقلّة لا تخضع لهذه الآليّة. وترافق هذا الأمر مع تسريب أخبار أخرى عن دعم «التيّار الوطني الحُرّ» لإحدى الإعلاميّات للمنصب الأعلى في تلفزيون لبنان، مع الحديث عن استعانة هذه الإعلاميّة بخدمات شركة أوروبيّة أعدّت دراسة تضع خريطة طريق للنهوض بتلفزيون لبنان من جديد ولتطويره وتحسينه.
ولفتت المصادر عينها إلى أنّ مُحاولة عرقلة الآليّة بلغت حدّ ربطها بتغييرات جذرية على مُستوى إدارة الوكالة الوطنيّة للإعلام، بحيث تتمّ المُوافقة على تعيين رئيس لمجلس إدارة تلفزيون لبنان في مُقابل استبدال مديرة الوكالة الوطنيّة للإعلام الحالية لور سليمان، بأحد الصحافيّين الكفوئين ضُمن هيكليّة وزارة الإعلام، والمحسوبين سياسياً على «التيّار الوطني الحُرّ»، ليكون الأمر عبارة عن مُقايضة سياسيّة وفق أسلوب «مَرّقلي لمَرّقلك»، أو وفق الدُرجة أو «المُوضة» السائدة في إدارة الحُكم في لبنان منذ نهاية الحرب حتى اليوم، بغضّ النظر عن كفاءة الأشخاص المعنيّين بهذه المسألة والتي لا غُبار عليها.
إلى ذلك، وبحسب مصدر إعلامي في وزارة الإعلام، إنّ الوزير رياشي مُمتعض ممّا آلت إليه الأمور على مُستوى تلفزيون لبنان، وهو لن يألو جُهداً في أقرب فرصة مُمكنة لحثّ المسؤولين كافة مرّة جديدة، على طرح هذا الموضوع لمُعالجته في أسرع وقت، لأنّه من غير المعقول ترك التلفزيون لمصيره، مع ما يعنيه هذا الأمر من سلبيّات على هيكليّته وعلى مئات الموظفين والعاملين فيه. وقال المصدر إنّ الوزير رياشي مُقتنع بأنّ الآليّة التي اعتمدها لتعيين رئيس مجلس إدارة جديد لتلفزيون لبنان هي أفضل الآليات المُمكنة لتحديث الدولة اللبنانية بإشراف مباشر من مجلس الخدمة المدنيّة، ولإخراج المناصب الحسّاسة من السطوة السياسيّة والطائفيّة والمناطقيّة، وخُصوصاً من سياسة المحسوبيات والأزلام. وأضاف المصدر الإعلامي في وزارة الإعلام أنّ الوزير رياشي مُنفتح على اقتراحات الحلول كافة، على أن تتمّ مُعالجة ملف تلفزيون لبنان أوّلاً كونه ضرورة مُلحّة أكثر من سواه، ثم الانتقال في مرحلة لاحقة لمُعالجة ملفّات أخرى عالقة أو تحتاج الى التطوير، أكان ضمن إدارات ومصالح وزارة الإعلام أو سواها.