لقد بات واضحاً وجلياً بأن الصراع الحقيقي الذي يدور في منطقة الشرق الاوسط على امتداد ساحاتها ومجتمعاتها ودولها هو صراع ذهنيات ومبادئ، يتجلّى في خطّين عريضين، خط مشروع الاوهام الكاذب وخط القوة النضالية للحرّيات، مع كل ما يعني ذلك من فوارق في المفاهيم والمبادئ والثقافات بين التوجّهين اللذين لن يلتقيا ابداً، ويحمل كل منهما في مساره طبيعة حياة بشرية معاكسة تماماً للاخرى. فبالرغم من الوجوه العديدة للصراع وانعكاساته المتنوعّة على القضايا العادية لشعوب الشرق الاوسط، فلم تعد حقيقته خفيةً ومخفيةً، ومحاولات تصويره بأنه صراع طبقات وحقوق شعبية ومطالب عمّالية وتحرّكات لقطاعات او نزاعات حدودية باءت بالفشل مع مشاهد الصدامات العنفية المتفجّرة في المدن الايرانية المنتفضة، والمشاهد العسكرية والاغتيالية في الاقطار العراقية السورية وبالطبع المشاهد السياسية المتأزّمة والمتراكمة في الحالة اللبنانية، فعبثاً يحاول المشروع الوهمي لمحور الثورة الاسلامية الايرانية تغليف الصراع الحقيقي بعناوين بطولية وهمية لتسويقها على شعوب المنطقة. فالقوة النضالية السيادية والوطنية استطاعت بصمودها بوجه وحشيته وخبثه ابراز حقيقة الصراع المتمثّل بالخطّين العريضين، فالاوهام الكاذبة التي تُخفي خلفها اهدافاً تسلّطية ومشاريع ايديولوجية فئوية بدأت تسقط امام قوة المدافعين عن الهوية والحرّيات واحترام القناعات المتعدّدة الضامنة للتطور السياسي النهضوي. لقد اصبح من اليقين ان الصراعات الشرق اوسطية، وإن لَبِسَتْ أثواباً إثنية وطائفية ومذهبية فهي بالعمق نضالات شعوب تسعى لاجل العيش الحرّ والتفاعل الايجابي بين فئاتها المتعدّدة، وكل من يحاول الدفع بقضايا كاذبة الى التداول لتمويه الحقائق فاهدافه فئوية وإلغائية وتسلّطية.
إن الانتفاضات اليومية في المدن الايرانية ليست مطلبية بل ثقافية وتُعبّر عن نضال الاجيال الصاعدة لاجل الحريات الفكرية والاجتماعية والثقافية وترفع صوتها لأجل الكرامة الانسانية، ولأجل فتح المجال امامها لمشاركة الشباب العالمي في رسم المسيرة التطورية الطبيعية لطموحها. وإن الصدامات اليومية التي تندلع في الشوارع العراقية، وإن اخذت احياناً مشهدية مذهبية وطائفية، ولكنها فعلياً احتجاجات ضد منطق اللادولة ومحاولاتٍ لاسترداد السيادة الوطنية والتحرّر من قبضة الحرس الثوري. أمّا الفرز في سوريا فقد بانَ على حقيقته بعد حربٍ ضروس أدت الى تهجير الشعب السوري خارج اراضيه بهدف تسهيل عملية الترانسفير التي تُريح النظام بحكمه، وتُمكّن الولي الفقيه من تخضيع الباقين من اصحاب الارض. ولكي تكتمل صورة المنطقة الواقعة تحت سيطرة “محور المُمانعة والاوهام” فقراءة المشهد اللبناني تؤكد ان الصراع الحقيقي الدائر هو بين مناضلين لبقاء لبنان الانسان والحرّيات وبين محور الاوهام المتخلّف والفاشل، فمحاولات محور المُمانعة لالغاء الفكر الآخر والقناعات المُمانعة له ليست موجّهة ضد فئة طائفية معينة او حزبٍ ما، فهي ضدّ كل من يناهضه الرأي ويعارض مشروعه لانهاء صيغة العيش المشترك للثقافات في وطن الارز.
إن ما يعيق مشروع محور المُمانعة والاوهام، المستقوي بالايديولوجية المُدعّمة بالسلاح، سرّ قوة النضاليين وقدرتهم على مواجهته والمتأتية من تمسّكهم بالهوية الثقافية وبالحرّيات وصمودهم ضد اوهامه.
المشروع السياسي الذي لا يؤمّن الرخاء والطمأنينة والازدهار والاستقرار للمجتمع هو مشروع وهمي لا قابلية لبقائه، ولذا يلجأ لسياسات الاوهام والنفاق والقمع والاستغلال، امّا المشروع النضالي الذي يؤمن بقضية الحرّيات فقدرته كبيرة. فإن كان الإيمان كافياً لإطفاء شرّ الشياطين فقوة النضال تقوى على اوهام السلاح المُجرمة.
وبالنهاية، يأتي من يُنظّر بالتسويات الجامعة في حين أن حقيقة الصراع هي بين قوة الروح النضالية والمشروع الوهمي المُخادع، فكيف بالتوفيق؟؟؟
(*) عضو تكتل «الجمهورية القوية»