يتميّز اللبنانيون بالفكر والصمود والتفاعل والإبداع في مختلف المجالات، لكنهم يعانون في علم النفس السياسي والعيادي من سلوكيات مرضية تعود إلى رواسب تاريخية. لم تخضع هذه الأمراض للمعالجة بعد إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 واستقلال 1943 على الرغم من الخبرات الأليمة المتراكمة وكوارث المقامرين والمغامرين.
1. الأنتروبولوجيا الثقافية: تتخطى أعمال سليم عبو ومنير شمعون وجان سالم وPaul Griéger وغيرهم في علم النفس السياسي والعيادي اللبناني العلاقات بين الأفراد والعلاقات الاجتماعية. تُبيّن دراسات في علم النفس السياسي اللبناني موروثات سلبية في إدراك الصالح العام والانسياق في آلية التكرار على الرغم من الخبرات المتراكمة. تتطلّب ثمانية مظاهر مرضية لبنانية في علم النفس السياسي والعيادي معالجات ثقافية وتربوية في سبيل استعادة الثقة والنهوض:
– مثاقفة الدولة من خلال تأريخ علميّ وواقعيّ.
– إدراك الشأن العام نقيضاً للفردانية، حيث إن الشأن العام هو بطبيعته عابر للانتماءات الأولية.
– معالجة عقدة الباب العالي.
– بناء ذاكرة جماعية مشتركة رادعة في سبيل المناعة تجاه مغامرين ومقامرين في الداخل والخارج.
– نبذ المساومة compromission في شؤون الدولة والسيادة من خلال سلوكيات سياسية لبنانية في التموضع والتذاكي والتكاذب والشطارة و “المعليشية” والأقوال الشعبية المتداولة: بيناتنا، شو فيها، مشّيها، لا تحمل السلم بالعرض، طرّيها… وذلك في قضايا الدولة والمصلحة العامة.
– معالجة بدائية إدراك لبناني على المدى القصير primarité du tempérament ما يعطّل السياسات العامة المتوسطة والبعيدة الأفق.
– العقلانية والبراغماتية في مقاربة النظام الدستوري اللبناني في تاريخيته ومناعته ومناعة الكيان اللبناني، جغرافياً وسكانياً وعربياً، على الرغم من كل الاضطرابات والمغامرات.
– الممارسة اليومية لمبدأ النشيد الوطني: قولنا والعمل، لأننا غالباً نتصرّف كظاهرة خطابية صوتية!
2. هل لبنان راجع راجع يتدمّر؟ تقتصر غالباً دراسات عربية على البنيات الفوقية مع إهمال الثقافة والسلوكيات والقيم التي قد تكون منبع تخلّف. أصدر Jonathan Randal كتاباً بعنوان:
La guerre de mille ans: jusqu’au dernier chrétien, jusqu’au dernier marchand, la tragédie du Liban (Grasset, 1984).
وصدر لـ Jean-Marie Quéméner، Liban: La guerre sans fin,، Plon, 2017.
هل نحن مبرمجون على آلية التكرار؟ لا تقتصر ثقافة الدولة ودولنة المواطنية على نصوص قانونية، بل تتضمّن أبعاداً ثقافية وتربوية وفي عمق الذاكرة. لم يتطوّر علم النفس العيادي psychanalyse عربياً ليشمل الحياة العامة. ويفتقر الأدب العربي إلى أدب الاعتراف confession. عندما يكتب البعض مذكرات وسيرة ذاتية يقتصر ذلك على ذكر أحداث عامة.
الحاجة إلى إخراج علم النفس العيادي من حصريته في الحياة الفردية والاجتماعية. تعود سلوكيات سياسية لبنانية عديدة إلى رواسب في علم النفس التاريخي psychohistoire. نختزل البحث في الثقافة في لبنان في الأدب والفلسفة والفنون والتراث، في حين تعني أيضاً الثقافة الذهنيات والعادات والسلوكيات. يفتقر لبنان منذ سنوات إلى دراسات ميدانية سلوكية وتقتصر أبحاث على البُنيات الفوقية superstructure في حين أن مصادر الإيجابيات والعوائق قد تكون في مكان آخر. في مواجهة إدراك مجتزأ للثقافة هل نعود إلى معنى ثقافة في اللغة العربية؟ “ثقف” و “مثاقفة” تعنيان “تقويم الرمح” و”تقويم اعوجاج”، حسب لسان العرب لابن منظور ومختلف معاجم اللغة العربية.
***
ورد في الإرشاد الرسولي الذي أعلنه البابا يوحنا بولس الثاني في بيروت في 10/5/1997 وبحرف أسود: “ما يتوجب عمله التغيير في الذهنيات” (البند 9). أي تغيير في الذهنيات السياسية اللبنانية؟ في محاضرته في الندوة اللبنانية بعنوان: Le procès de l’intelligence libanaise في 12/6/1950 يقول جورج نقاش: “ما يحقّقه اللبناني على المستوى الفردي يدمّره على مستوى الوطن”.
هل يتعلّم اللبناني بعد اليوم، في كل ما يتعلّق بالدولة وسيادتها ويقول: لا! عدة إصدارات لكرسي اليونسكو لدراسة الأديان المقارنة والوساطة والحوار في جامعة القديس يوسف تعالج جوانب ثقافية وتربوية في مجال الإدارة الديمقراطية للتعددية الدينية والثقافية.