IMLebanon

الواقعيّة السياسيّة قرّبت بين بري وجعجع

لأن الاستحقاقين مرتبطان ببعضهما بعضاً، ينصّب الاهتمام حالياً عند مختلف الافرقاء السياسيين في جبهتي 8 و14 آذار، على التفاهم حول مشروع قانون للانتخابات يوفّر مساحة واسعة من التوافق عليه في خلال الشهر الذي تمّ اعتماده كمهلة اخيرة للخروج بقانون يمتاز «بالغموض الخلاّق» الذي يعني ان الجميع يعتبره لمصلحته، ولا يمارس ضده حق النقض الميثاقي، ويمهّد في ما تبقى من السنة الحالية لانتخاب رئيس للجمهورية، يرعى انتخابات مبكرة في حال سمح بذلك الوضع الأمني، واذا عرف ان رئىس مجلس النواب نبيه بري هو المحور الذي تدور حوله الاتصالات البعيدة عن الضوء، والنقاشات والطروحات واحياناً الشروط، بقيام حوار بين تيار المستقبل وحزب الله، حول موضوعين اثنين لا ثالث لهما، هما قانون الانتخاب اولاً، وانتخاب رئىس ثانياً، فان الانظار تتجه تحديداً نحو عين التينة، مترقبة تصاعد الدخان الابيض من قصر الرئاسة الثانية، مبشّراً بنجاح بري في جمع التيار والحزب على طاولة حوار يرعاها بري، بعد تجاوز عقبة طلب المملكة السعودية من مجلس الامن، ادراج حزب الله على لائحة الارهاب، في خطوة متقدمة لفصل الخلافات الداخلية عن الخلافات العربية والدولية وقد ينتج عن لقاء بري اليوم او غداً بالسفير السعودي علي عواض عسيري، موقفاً مسهلاً لعملية الحوار.

بطبيعة الحال، وقياساً الى ما كان يجري سابقاً، فان الحوار بين الطرفين، قد ينتهي سريعاً، اذا توفّرت النية الطيبة، والرغبة الصادقة في تجاوز الحساسيات الموجودة، والمعرفة بخطورة الاوضاع، وضيق مساحة المناورات، كما قد يطول وينتهي الى الفشل، اذا غابت هذه العوامل الضرورية للنجاح، وعندها يصبح المستقبل علامة استفهام كبرى، يرقبها المواطنون بكثير من الخوف والقلق، وينقل في هذا المجال عن شخصية سياسية قريبة من الرئيس بري، ان اتفاق حزب الله وتيار المستقبل على تسهيل الوصول الى قانون للانتخابات، والى التفتيش عن رئىس للجمهورية من خارج 8 و14 آذار، هو بحدّ ذاته انجاز مهم، ولكنه لا يكفي اذا بقي يتيماً، ولم تتبنّاه القوى الاخرى الفاعلة على الساحة السياسية، ولم تتحلّ «بالواقعية السياسية» التي اظهرها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في كثير من المحطات الاساسية، وفي شكل خاص في التعامل مع مشاريع القوانين الانتخابية، وفي معركة الرئاسة الاولى، وفي التمديد لمجلس النواب، ما جعل التفاهم بينه وبين بري، مفيداً للمصلحة العامة العليا، ومؤسساً لتفاهم على قضايا اخرى أوسع وأشمل.

****

الذكرى الباهتة والحزينة لاستقلال عمره 71 سنة، كان لها ايضاً، دور ايجابي بنسبة معقولة، لتجعل اللبنانيين عموماً والسياسيين والمسؤولين خصوصاً، يدركون باكثريتهم، ان تعطيل الاستحقاقات والمناسبات، التي تظهر كرامة الدولة وسيادتها واستقلالها وحتى هيبتها، هو عمل مدان وغير مقبول، ويندرج في قائمة المواقف المعادية للاستقلال والكيان ووجود الدولة القوية بمؤسساتها السيادية، مثل رئاسة الجمهورية ومجلس النواب، ومجلس الوزراء، والجيش والقضاء، وقد حرّكت هذه الذكرى المقطوع رأسها، شياطين المخاوف عند كثير من اللبنانيين، ان يصبح الفراغ في رئاسة الجمهورية هو القاعدة، والبدلاء من 24 وزيراً هم الاساس، ما يستدعي حقيقة اعادة النظر في نظام لبنان السياسي، انطلاقاً من ان الدول التعددية، يلزمها نظام يحمي حقوق شرائحها المتعددة وخصوصياتها، ويؤمّن لها الأمان والاستقرار والانماء، ولبنان ليس وحده التعددي، فهناك العشرات من الشعوب التي عانت ما عاناه ويعانيه الشعب اللبناني، ووصلت في نهاية الأمر، الى حقيقة سبق للمشرّع اللبناني ووصل اليها، وهي تحقيق اللامركزية الادارية والسياسية الموسعة، التي تعطي الدولة المركزية حقها ومسؤولياتها، وتعطي المواطنين المتعددي المشارب والثقافات والاديان، حقهم ومسؤوليتهم في ادارة شؤونهم.

هذا الهريان في الدولة المركزية، ناتج عن صراعات المكونات الشعبية، بسبب رغبة البعض بالتسلّط والهيمنة وتعطيل جميع المؤسسات الراعية وهذا واقع لم يعد محمولاً استمراره، ونقطة ع السطر