ثلاثية الحفاظ على الإستقرار على محكّ إلتزام الفرقاء سياسة تفكيك الأزمات
واقعية سياسية بلا وهم أو تطيّر ستسهّل المخرج اللغوي للنأي بالنفس
لمهم راهناً أن الرئيس عون أنجز المشاورات الرئاسية، وتجري غربلة للأفكار ستوصل حتماً إلى صيغة تحمل قواسم مشتركة
تمهّد المشاورات التي أنجز أمس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جزءها العلني مع مختلف الأحزاب السياسية الممثلة في الحكومة وغير الممثلة فيها، الى إعادة الإنتظام السياسي كمقدمة لإعادة إطلاق الدينامية الحكومية المجمّدة منذ الرابع من تشرين الثاني، يوم إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري ما بات يُعرف محليا ودوليا بالإستقالة الملتبسة. ويعكف الفريق الرئاسي، راهنا، على بلورة صيغة سياسية تحوز القدر الأكبر من التوافق المحلي، تأخذ في الإعتبار ما ذهب اليه الرئيس الحريري من مناداة بثلاثية الحفاظ على الإستقرار، أي النأي بالنفس وإلتزام تطبيق الطائف كاملا وصون العلاقة مع الدول العربية.
وترى مصادر سياسية واسعة الإطلاع أن ملابسات استقالة الرئيس الحريري صارت واضحة للجميع، إن من خلال ما نشر في الإعلام الغربي، والأميركي خصوصا، أو من خلال ما توافر من معطيات نتيجة تقارير ديبلوماسية غصّت بها البعثات العاملة في بيروت، وخصوصا لجهة الدور السلبي الذي تصدّى له لبنانيون وباتت تفاصيله كاملة في حوزة المسؤولين المعنيين، وهي تحمل الى حد بعيد الكثير من الخبث.
وتشير الى أن المهم راهنا أن الرئيس عون انجز المشاورات الرئاسية، وتجري غربلة للأفكار ستوصل حتماً الى صيغة تحمل قواسم مشتركة، وخصوصا لجهة النأي بالنفس ودور حزب الله الخارجي، وتحظى بأكبر قدر ممكن من التوافق الداخلي، بما يمهّد لمناقشتها في أول جلسة للحكومة المتوقع إلتئامها بعد عودة رئيس الجمهورية من زيارته الرسمية الى روما.
وتعكس المصادر تفاؤل الجهات الرسمية بالوصول الى خاتمة إيجابية لأزمة الإستقالة وما إستتبعها من تريّث وتجميد للعمل الحكومي، مشيرة في الوقت عينه الى أن كل الافرقاء ابدوا مسؤولية عالية في مقاربة ملابسات هذه الاستقالة ومتطلبات حماية لبنان وضمان سيادته واستقراره وقراره الحر وعدم السماح بتدخلات خارجية من اي جهة، الى جانب مسألة النأي بالنفس. وتتحدث عن واقعية سياسية بعيدا من أي وهم أو تطيّر ستسهّل المخرج اللغوي للنأي بالنفس، والذي في الوقت عينه سيستجيب لهواجس رئيس الحكومة، كل ذلك معطوفا على الموقفين الاميركي والفرنسي لناحية اصرارهما القاطع على منع اي مسّ بالإستقرار، بما يتيح تثمير الإجماعين الداخلي والخارجي لتجديد التسوية الرئاسية وتحصينها، ومن ثم إعادة اطلاقة الدينامية الحكومية بأسرع وقت ممكن، وخصوصا أن لبنان لا يمكن أن يبقى في مساحة الإنتظار لأن الجمود قاتل في الحالة اللبنانية، واللبنانيون ينتظرون إستكمال الإنجازات في ملفات النفط والغاز والكهرباء والورشة اإاصلاحية الكبرى المنتظرة على مستوى العمل الإداري وليس إنتهاء بالإنتخابات النيابية، بعدما ثبّت العهد والرئيس عون الكرامة الوطنية والسيادة كثابتة في البنيان اللبناني.
وتتحدث المصادر السياسية الواسعة الإطلاع عن إصرار فرنسي – اوروبي على تحصين الاستقرار المستدام للبنان سيترجم تباعا، من خلال الزيارة المرتقبة للرئيس إيمانويل ماكرون الى بيروت في آذار 2018 كجزء من جولته الإقليمية المخصصة للقضية الفلسطينية، وقبلها وبعدها عبر السغي الفرنسي الدؤوب الى تزخيم عمل المجموعة الدولية الداعمة للبنان وعقد وتنظيم مؤتمرات دولية (مؤتمر باريس ٤ لا يزال حجر الرحى في هذا التوجّه) لمساعدته ماليا وإقتصاديا وعسكريا.
وتلفت المصادر الى أن باريس تعمل راهنا على إقناع شركائها الإقليميين والدوليين بتوجهها هذا، وقد قطعت شوطا بعيدا في بلورة هذه الرؤية مع الإدارة الاميركية، لكنها تعوّل في المقابل على أن تجد صدى إيجابيا بين اللبنانيين من كل الاتجاهات، إذ إن نجاح الإدارة الفرنسية في هذه المهمة الحساسة والدقيقة والمركزية، يفترض بل يرتكز على أن يجمع الفرقاء اللبنانيون على تجديد احترامهم للترتيبات السياسية التي يعمل على تثبيتها راهنا، وعلى إلتزامهم جميعا بلا أي تحفظ أو مناورة أو تذاكٍ، سياسة تفكيك العقد والأزمات، بما يفترض عليهم الإنصراف الى ترميم التسوية الرئاسية وتصليب العمل الحكومي مبارة بعد إرساء دعائم الإستقرار المتجدد الذي أفرزت أزمة إستقالة رئيس الحكومة إصطفافا دوليا غير مسبوق حوله.