إنّ أي تحوّل ديموقراطي في السياسة اللبنانية يفترض أنْ يكون له الأثر الإيجابي على صعيد ممارسة سياسية وفقاً لمندرجات العلوم السياسية، خصوصاً أنّنا في جمهورية ما زالت وللأسف تخضع إلى حُكم شبه سلطوي، وعسى أن تكون الإدارة السياسية الجديدة برئاسة العماد جوزاف عون ورئاسة القاضي نوّاف سلام المدخل الرئيسي لإعادة انتظام الديموقراطية في السياسة اللبنانية.
ومن المتأمّل أن يكون في المرحلة الراهنة تحوّلاً من ممارسة نظام شبه قمعي إلى نظام ديموقراطي وفقاً للدستور، كما ضرورة التشديد على إعادة ترميم الجمهورية اللبنانية مشابهة تماماً للأنظمة الديموقراطية. طبعاً إنّها مهمّة صعبة، الهدف منها ترتيب النظام السياسي اللبناني ليستطيع مواكبة الحقائق السياسية، الأمنية، الإقتصادية، المالية، والإجتماعية المطلوب تنشيطها، لا بل تفعيلها.
الإصلاح السياسي يتطّلب التقليل من الأقوال والمثابرة في الأعمال التنظيمية، كما دعم النظام الديموقراطي من خلال قانون إنتخابي عادل ومتوازن، المفترض أن يؤدّي إلى نتائج إيجابية لناحية تحسين القدرة التمثيلية للشعب اللبناني، لا أن يكون نسخة منقّحة عن سابقاته. فالقوانين الإنتخابية السابقة قوّضت الديموقراطية، وباتت الأنظمة القائمة تتحكّم بمسار الأمور واستعرّت الفوضى بكل أبوابها. وليحوز النظام السياسي الجديد على الصدقية الشعبية يُفترض إطلاق مشروع إنقاذي سياسي إصلاحي ديموقراطي بأهداف واقعية مطلوبة من الرأي العام.
إنّ الإصلاح السياسي يظل أمل الشعب اللبناني، ويتطلّع إلى تجسيده في واقع نظام سياسي عصري حيّ وفي ممارسة سياسية ديموقراطية تجدّدية، كما يحتاج بما يُشبه الوضع إلى معركة نضالية ممنهجة ومستمرّة، حتى يُصبح النظام السياسي اللبناني ملجأً ديموقراطياً يقوم على قواعد الحُكم الرشيد الديموقراطي السليم ويَستوفي شروط الإلتزام السياسي الثقافي واحترام الرأي العام وإتاحة الفرصة أمامه لأن يكون هو السيّد في وطنه، عملاً بما ورد في مقدمة الدستور الفقرة /د/ “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية”.
الإصلاح السياسي الديموقراطي وفقاً للعلوم السياسية هو الطريق إلى اتخاذ إجراءات سياسية، أمنية استراتيجية، قضائية، إقتصادية، مالية، إجتماعية، وتربوية، تضمن تحقيق التغيير نحو الأفضل خلال فترة زمنية المفترض أن تكون محدّدة شرط التوافق على البنود الإجرائية وقابلة للتطبيق دستورياً وقانونياً.
للاقتباس عرّفت “الموسوعة السياسية” الإصلاح الديموقراطي بأنّه “تعديل وتطوير في شكل الحُكم أو العلاقات الإجتماعية من دون المساس بها، وبهذا المعنى السياسي خلافاً للثورة، ليس سوى تحسين في النظام السياسي الإجتماعي القائم من دون المساس بأسُسِهِ”.
أمام العهد وحكومته تحدّيات كثيرة، ومن المفترض مواجهتها وفقاً للأصول السياسية التي تعتمد إصلاحاً سياسياً منظّماً بشكل موضوعي علمي. إنّ خصوصية الإصلاح تبرز من خلال قانونية القائمين به، فيتمكنون من إمكانية التغيير التدريجي السلمي الديموقراطي تتوافر له الشرعية الديموقراطية والتكوينية.
إنّ مسيرة العهد الإصلاحية مسيرة لها مراحل كثيرة، وهي تقتضي جدولة منظمة للمطالب الإصلاحية الديموقراطية بما يخدم مطلب الإصلاح، وهذه الجدولة تتضمّن: التحدّيات السياسية، السيادية، الإقتصادية، والإجتماعية وفقاً للمعيار الإصلاحي. إنّ المدخل للإصلاح السياسي هو في اعتماد نظام إنتخابي عادل يَكفل صحة التمثيل السياسي السليم والديموقراطي، يتمتّع بتأييد شعبي، فلا يشعر أي مكوّن أنّه مهمّش أو مُبعد. كما أنّه يُسهم في تحديث الحياة السياسية ورفع مستواها بما يَحدّ من شخصنة الخيارات السياسية كما كان سائداً.
العهد والجمهورية اللبنانية يواجهان تحدّيات محلية، إقليمية، ودولية غير مسبوقة تحوط بهما وترهقهما، لكن على رغم من هذه التحدّيات يجب أن تكون هناك ممارسة سياسية وفقاً لأصول العلم السياسي ووفقاً لأصول الديموقراطية. ولينجح العهد في مسيرته الرئاسية عليه تمكين الإصلاح السياسي من خلال منظومة ديموقراطية تُترجَم عملياً عبر تمكين اللبنانيِّين من القيام بأفعَل دور ممكن في صنع القرار، عبر انتخابات حُرّة ونزيهة، بما يضمَن مبدأ التداول الديموقراطي للسلطة.