ما أعلنه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير عن أنّه “على الحكومة القبرصية أن تحذر من أنّ فتح المطارات والقواعد القبرصية للعدو الإسرائيلي لاستهداف لبنان يعني أنّها أصبحت جزءاً من الحرب وستتعاطى معها المقاومة على هذا الأساس”، رأى فيه البعض في الداخل والخارج تهديداً ليس فقط لقبرص إنّما أيضاً لليونان ولأي دولة أوروبية. وذهب الى حدّ القول إنّه “افسد” أو “وتّر” العلاقات الديبلوماسية والسياسية مع قبرص، مثيراً موضوع اهتزاز وضع الجالية اللبنانية في الجزيرة المجاورة، فضلاً عن وقف تأشيرات دخول اللبنانيين الى الجزيرة الى أجلٍ غير مسمّى.
أوساط ديبلوماسية مطّلعة تحدّثت لجريدة “الديار” عن أنّه جرى سريعاً تطويق ذيول هذه الأزمة التي ردّت عليها قبرص كما الإتحاد الأوروبي بلجهة “غير تصعيدية” سيما وأنّ الدول الأوروبية تسعى جاهدة الى إعادة الأمن والإستقرار في المنطقة وتُحذّر من أي تصعيد بين “حزب الله” و”إسرائيل”. وقامت وزارة الخارجية والمغتربين بالتالي باحتواء الأزمة سريعاً من خلال الإتصال الذي أجراه وزير الخارجية الدكتور عبدالله بو حبيب بنظيره القبرصي كونستانتينوس كومبوس، والذي أعرب له خلاله عن تعويل لبنان الدائم على الدور الإيجابي الذي تلعبه قبرص في دعم الإستقرار في المنطقة. وجرى التأكيد من قبل الوزيرين على عمق علاقات الصداقة التي تربط البلدين وأهمية تعزيز التعاون الثنائي بينهما لما فيه مصلحة الشعبين.
ومن المتوقّع أن يقوم مسؤول قبرصي رفيع المستوى بزيارة الى لبنان خلال الأيام المقبلة، على ما أشارت، للتباحث في حقيقة ما تنوي قبرص القيام به في حال شنّت “إسرائيل” حرباً موسّعة على لبنان. يُعتقد أن يكون مدير جهاز المخابرات القبرصي تاسوس تزيونيس الذي سبق وأن زار بيروت في كانون الثاني الماضي وبحث مع المسؤولين اللبنانيين في ملف الحدود البحرية والهجرة غير الشرعية المنطلقة من الشواطئ اللبنانية. وذكّرت بأنّ الرئيس القبرصي زار لبنان، مرتين على التوالي في شهري أيّار ونيسان الفائتين لبحث ملف الهجرة غير الشرعية، وترافقت زيارته الثانية مع زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين الى لبنان والتي أثارت خلالها يومذاك “هبة المليار يورو”. وكان وعد لبنان بشرح موقفه من أزمة النزوح السوري في مؤتمر بروكسل الثامن حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة”.
وأوضحت بأنّ السيد نصرالله حاول من خلال تحذيره لقبرص ومنها الى اليونان والى أي دولة أوروبية أخرى “تتعاطف” مع “إسرائيل”، وصف ما ستكون عليه الحرب الإقليمية الشاملة في المنطقة، في حال مضت “إسرائيل” ليس فقط في التهديد بها إنّما في شنّها على لبنان. وهذا يعني أنّه أكّد أنّ “أي دولة في المنطقة لن تسلم منها”، من دون أن يذكر ذلك حرفياً.
أمّا العلاقات الدولية، فليست قائمة على “خيط رفيع”، على ما أشارت الأوساط نفسها، وفق ما يحلو للبعض في الداخل أن يُصوّر الأمر. وقد يحتاج الأمر الى خلافات كثيرة بين دولتين جارتين، وحتى الى التقاتل للوصول الى حدّ القطيعة. والمعلوم أنّ علاقة لبنان وقبرص ترتكز على تاريخ حافل من التعاون الديبلوماسي وأنّ التواصل والتشاور قائم وبوتيرة مستمرّة ودائمة على أعلى المستويات بين البلدين بهدف التباحث في القضايا ذات المصالح المشتركة، وأهمها ترسيم الحدود البحرية بينهما المعلّق منذ سنوات، والهجرة غير الشرعية من قبل النازحين السوريين اليها.
وتقول بأنّ قبرص، كما سائر دول الإتحاد الأوروبي، وحتى المجتمع الدولي، تُدرك أنّ لبنان الرسمي يختلف عن لبنان المقاومة، وهي تتعامل معه على هذا الأساس. وقد جاء ردّ الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس موضوعياً على ما صدر على لسان السيد نصرالله بأنّ “قبرص ليست متورّطة بأي حال من الأحوال في الصراعات الحربية، وليست جزءاً من المشكلة، بل جزء من الحلّ”، مؤكّداً على وجود قناة اتصال مع كلّ من حكومتي لبنان وإيران عبر الوسائل الديبلوماسية”.
وفي ما يتعلّق بوضع الجالية اللبنانية في قبرص، فأكّدت الأوساط الديبلوماسية، أنّه جيّد وهو على حاله، ولم يتأثّر سلباً بما جرى أخيراً. فالقبارصة يقدّرون دور اللبنانيين لا سيما رجال الأعمال منهم، في إنماء وتطوير الجزيرة على مرّ السنوات الماضية، وهم لن يُبدّلوا رأيهم فيهم. كذلك فإنّ اللبنانيين يعتبرون قبرص الملاذ الآمن لهم لتسيير أعمالهم فيها، ولزيارة عائلاتهم في لبنان بشكل دائم سيما وأنّ مدّة الرحلة من قبرص الى لبنان هي الأسرع في العالم.
أمّا قرار إقفال السفارة القبرصية أبوابها ليوم واحد في لبنان، فكان محدّداً مسبقاً لأسباب إدارية تتعلّق بنظام التأشيرات، على ما لفتت، وقد عاودت العمل كالمعتاد بدءاً من يوم أمس الجمعة. ولن يكون هناك أي مشكلة أمام اللبنانيين في الحصول على تأشيرات الدخول الى قبرص خلال المرحلة المقبلة.
ويبدو أنّ الأزمة التي أراد البعض في الداخل أن تتطوّر لتشمل زعزعة علاقة لبنان بالإتحاد الأوروبي، على ما تابعت الأوساط، قد دُفنت في مهدها. فقد علّق المتحدّث باسم الإتحاد للشؤون الخارجية بيتر ستانو بالقول: “إنّ أي تهديد للدول الأعضاء غير مقبول… وأنّ قبرص دولة عضو في الإتحاد وأي تهديد ضدّها يُعدّ تهديداً ضدّ الإتحاد ككلّ”. ولكنّه شدّد في الوقت نفسه على أنّ “آخر ما يحتاجه لبنان هو حرب طويلة الأمد”، و”أنّ الإتحاد يُلحّ على الأطراف كافة أن تبذل ما في وسعها من أجل خفض التصعيد”… وهذا يعني بأنّ الدول الأوروبية ترفض توسيع الحرب على لبنان. كما تدلّ مواقف الإتحاد الداعمة للبنان وجيشه وشعبه، على أنّه قد تجاوز موقف السيّد نصرالله الأخير وإن عبّر عن عدم قبوله بتهديد الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.
وفي ما يتعلّق بما أشار اليه السيّد حسن نصرالله عن أنّ قبرص و”إسرائيل” تُجريان مناورات عسكرية منذ العام 2014، وقد أجريت آخر مناورة في أيّار من العام الماضي (2023) في قبرص، فتضعه الأوساط ذاتها في خانة الأمور التي سيتمّ التباحث فيها مع قبرص من خلال موفدها الذي يُرتقب أن يزور لبنان قريباً، أكان مدير المخابرات، أو وزير الخارجية أو أي شخصية أخرى. أمّا الهدف من هذه الزيارة فهو التأكيد على استمرار العلاقات اللبنانية – القبرصية على أفضل حال، وتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين. وبطبيعة الحال، فإنّ المناورات، على ما أردفت، غالباً ما تُبعد الحرب ولا تُقرّبها، تماماً كما كلام السيد نصرالله الأخير الذي حاول فيه وضع الإصبع على فداحة الحرب المقبلة، بهدف تراجع الأميركي و”الإسرائيلي” عن القيام بهذه المغامرة غير المحسوية النتائج، لما فيه مصلحة الجميع.