الرأي العام هو تعبير صادق وشفّاف عن قضية معيّنة وعن أفكاره وسُبل تطوير منظومة سياسية معينة بالنسبة لموضوع يخصّ وطناً بمؤسساته الشرعية، سواء أكانت مدنية أو عسكرية أو عن مشاكل تؤرق همومه، وهو القوة الحقيقية في المجتمع والحَكَم الذي تصدره الشعوب على فعلٍ أو نشاط في مجال داخلي خارجي، وكذلك عن تعبير وجهة نظر الجماعة وعن اجتماع كلمة الجماهير وإرادة الشعب الحر المثقّف العالِمْ…
علمياً، لقد حظيَ مفهوم الرأي العام بالعديد من الدراسات وبالكثير من المحاضرات والمقالات في كل المجالات منها السياسية والإجتماعية والنفسية، وجميعهم أجمَعوا في تعريف الرأي العام إلى عدّة مذاهب اختلفت في بعض الأحيان، وغالباً ما كانت تلتقي حول جوانب محدّدة من هذا المفهوم. إنّ الرأي العام والسلوك السياسي السليم يفرضان إخضاع المصالح الخاصة للإدارة العامة ولمصلحة الشعب فقط، والدولة بمؤسساتها الشرعية لها دور مساعِد لأنّ الإدارة هي مجموع إرادة الشعب الذي يضع القوانين ويُقرّها شرعياً في المجلس التشريعي أي المجلس النيابي المنبثِق بإرادة شعبية حقيقية غير مزوّرة. ولا يجب إخفاء حقيقة، وهي أنّ مفهوم إرادة الشعب يُشير في المعنى العملي التطبيقي إلى جوهر الرأي العام في معناه المعاصر السليم.
إنّ العلم السياسي يعتبر أنّ الرأي العام والتأثير فيه بالمباشر هو موضع اهتمام كافة الأجهزة المدنية والعسكرية والجماعات والهيئات التي تمثّل قناعات معينة، كما تحركات الشعوب لها القيمة الأساسية. ولذا يسعى هؤلاء جميعاً عن قصد أو غير قصد الى السعي للتأثير فيه والتحكُّم به كلما أُتيحت لهم الإمكانيات المتوفرة. في العادة، ومن خلال بعض الأنظمة الشمولية، يشترك في التحكُّم بالرأي العام صُنّاع السياسة وأجهزتهم التنفيذية والأمنية والمخابراتية بشكل أساسي ودقيق ومُعمَّق، وحتى غيرهم من أصحاب الأفكار والمصالح والنفوذ، والذين يسعون جميعاً إلى التأثير في كل القواعد المفصلية لمكوّنات الرأي العام.
وفق العلمين الإجتماعي والسياسي للرأي العام مجموعة من العوامل تؤثِّر فيه وتتأثر، والقصد بالعوامل التي تؤثر فيه لا من حيث وجوده بل من حيث اتجاهه وقوّته وشدّته ومدى انتشاره. وهذا العوامل تتمثّل بالعديد من الركائز. أوّلها، عامل الثقافة المجتمعية والمقصود مجموعة القواعد والقوانين والتقاليد والعادات والقيَم والأفكار والخبرات، وهي جميعها تشكّل منظومة الثقافة لكل مجتمع. ثانيها، عامل الزعامة في المجتمع، والمقصود هو الزعيم التقليدي الذي يؤدي الدور المؤثّر في تكوين الرأي العام وفي تغييره وانتشاره. ثالثها، عامل الإتصال والتواصل. وفعلياً إنّ للإتصال والتواصل ووسائلهما أهدافاً تتمثّل في التأثير وتغيير مواقف الناس وآرائهم على نحو تتوخّى منه تحقيق أهداف أو مصالح خط سياسي معيّن. رابعها، عامل طبيعة الأحداث وهو أمر يدخل أساساً كعنصر من العناصر المكوّنة للرأي العام وهو حتماً سيؤثر في اتجاهات الرأي العام ومدى انتشاره وشدّته وقوته. وهناك الشائعات، وهي الأحاديث والأقوال والأخبار المفبركة والتي تتناقل من دون التثبُّت من صحتها ومصداقيتها…
إرتبط مفهوم الرأي العام بتطوّر بنية الفِعْل السياسي في الحياة العامة وانتقاله من حيِّز النخبوية السياسية الدكتاتورية وما يحيط بهم من فئات مقرّبة إلى مستوى أدنى سلطوية باتَ أمراً يشغل جماعة النخبة المفكّرة حالياً، حيث باتت عملية التحكُّم بخَلق الرأي العام وتحريكه تعتمد على عدة أساليب، منها تضليلية قمعية باختلاق اتهامات تضرّ بالصالح العام… في أكثر البلدان ساهمت موجات التضليل في الحيِّز الأكبر لدى النخبة، والتي تفاقمت في المجتمعات وفي تحقيق أنواع من التناقضات في مكوّنات الوعي الثقافي لدى أفراد المجتمع، وللمُضللين مناهج كثيرة وغير مقيّدة وفعلياً يصعب كشفها بمصيدة القوانين المرعية الإجراء… والتضليل يؤدي دوراً كبيراً في خَلق حالات من التشويش وعدم الثقة بكل نتاجات الواقع، خصوصاً إذا كانت المجتمعات مُرتهنة ومقيّدة لزعامات معينة…
وبما أنّ هذه المجتمعات تُساق على أساس مبدأ التوافقية الإنفعالية ولم تُدرج في مقارباتها بتراتبية الخطأ والصواب، لذا إنّ أغلبية المجتمعات تمرّ بحالات إنتقائية لمفاهيم العلم السياسي وللحقائق المطلقة، وهي غالباً ما تقوم على طبيعة الكسل المعرفي والتراخي وتغليب منظومات في أغلبها بالية تُعارِض أي نهضة فكرية صحيحة. إنّ صناعة رأي عام مُضلّل أو كاذب غالباً ما تخضع لآليّات صناعة الأخبار والمنظومات الكاذبة وسيرورتها واستراتيجية محاصرة الرأي العام بمنظومات بديلة قائمة على التضليل والفَبركة من خلال اعتماد أسلوب حصار المعلومات وحَجبها عن الناس، وهذا نمط يهتم بكيفية اشتغال الأخبار المزيّفة والمنظومات السياسية التي تتعارض مع الأنظمة الديمقراطية لمحاصرة الرأي العام والسيطرة عليه عبر التشويش أو الاحتيال على بعض المنصّات الإعلامية التي تُستحدث خصّيصاً لأيّ فريق سياسي بشكل عام لاستغلال ما يُقال واختراق عقول الناس في المراحل الأولى، ومن ثمّ الإنغماس في ضَخ المعلومات المفبركة والتحليلات المزيفة عبر هذه الوسائل الإعلامية الخاصة.
هناك ضرورة ماسّة لقيام رأي عام طموح ينتزع صفة التضليل عنه وإقامة رأي عام شُجاع غير قابل للتفتُّت عند التجارب. وهناك سؤال على الهامش: هل إنّ المكوّنات السياسية في العالم كما في لبنان لها هدف تحرير الرأي العام من التضليل المنظّم؟