Site icon IMLebanon

أسرار سياسية رافقت المعارك الرئاسية الأولى

مخرج غامض يواجه نتائج الانتخابات النيابية

والقانون هو نصف الطريق الى الفوز

يوم الجمعة الفائت، كان موعد العماد ميشال عون مع نقابة المحررين، ومعظمهم ينتسبون الى الصحافة اللبنانية برئاسة النقيب الياس عون.

في القصر الجمهوري كل شيء مرتّب. تحلّق المحررون حول رئيس الجمهورية الذي تصدّر قاعة كبرى، محاطا بأركان القصر، وقف النقيب الياس عون وألقى كلمة تميّزت بالرصانة، والبلاغة. ورد الرجل الذي تهفو اليه القلوب، بكلمة مقتضبة، تاركا لرواد الرئاسة ان يطرحوا ما يريدون من أسئلة. ثم راح يرد برصانة وهدوء على أسئلتهم وما عندهم من هواجس.

حرص رئيس الجمهورية، وهو بعد يستقبل المهنئين، على ان يترك لكل محرر ان يعبّر عن مكنوناته، لكنه حرص أيضا، على أن يسمع منهم ما يساورهم من مصاعب، في زمان الهجمة على الصحافة الورقية من ظروف قاسية.

أحبّ رئيس الجمهورية ان يترك العنان للجميع، وخصوصا الآنسات من المحررات، وان يشيع في نفوسهم المسؤول الاعلامي الكبير في القصر الجمهوري رفيق شلالا أجواء الحرية والاطمئنان.

طبعا تكلم العماد عون عن مسؤولية الصحافة المكتوبة والمتلفزة والمذاعة، لكنه أحب ان يزرع في نفوسهم جميعا المسؤولية الشجاعة، في تناول شؤون المهنة وشجونها.

إلاّ أن سؤالا واحدا أقض مضاجع الحاضرين، عندما سأل أحد المحررين عن العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وقوله في وقت سابق، انه يفضّل الفراغ بكل مساوئه، على التمديد للمجلس النيابي الحالي الممدّد له مرتين.

ويبدو ان رئيس الجمهورية أحب أن يطمئن الجميع، بقوله كلنا مسؤولون في نطاق مسؤولياته. كأنه أراد ان يجعل كل محررة أو محرر، يشعر بأن دوره هو المحافظة على حريته، وعلى حقوقه، أو كأنه أراد أن يوحي للجميع بأن أقربهم الى الله، هو أقربهم الى ممارسة مسؤولياته الوطنية.

لم يكن الرجل الأول في الدول، الرجل الأول بين الناس، من حيث فهمه للأوضاع، واستيعابه للمشاكل الخاصة والعامة، بيد انه أوحى للجميع بأن كل فرد مسؤول في بلاد تراجعت فيها المسؤوليات عند المواطنين.

طبعا، طالت الجلسة، كما طالت سابقتها مع نقابة أصحاب الصحف اللبنانية، وما فعله النقيب الياس عون، ليس بعيدا عما فعله النقيب عوني الكعكي. إلاّ أن الشعور العام في البلاد، ان الصحافة المكتوبة في محنة، لا في كارثة، لأنه يوم تذوي الكلمة وتصعق، تجد في تاريخ عمالقة المهنة ما يدفعها الى أمام والى ثبات، وهذا ما فعله الرواد الأفذاذ أمثال سعيد فريحه وجورج نقاش وحنا غصن ورشدي المعلوف وكامل مروة وعفيف الطيبي ونسيب المتني وروبير أبيلا.

كان الرئيس فؤاد شهاب يقول في مطلع السبعينات انه وجد في كتابات عظماء الكلمة الحرّة، ما أعلنه على الاهتداء الى الاصلاح والصلاح، وانه عندما اختار الرئيس شارل حلو ليكون البديل منه في رئاسة الجمهورية العام ١٩٦٤، لأنه صحافيا وكاتبا، بغض الطرف عما اذا كان قد أصاب في خياره، وانه عندما تمسّك بالرئيس الياس سركيس، فهذا يعود الى ان إبن سركيس يجسّد في السلطة وفي الحكم، ما كنت أمثله أنا شخصيا في تطلعاتي الى وطن نزيه وجديد.

يوم الأربعاء الماضي، خرج رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، على صمته وقال انه والرئيس العماد ميشال عون في خط واحد. ربما أحب دولته ان يقول هذه العبارة ليدحض مزاعم القائلين ان رئيس الجمهورية ليس ورئيس الحكومة على خط واحد، بل، ليؤكد، ما هو مؤكد منه، بأن التنوّع السياسي في لبنان لا يلغي التباين السياسي. باعتبار ان ليس في لبنان حكم الحزب الواحد وان في البلاد ثلاثة رؤوس في المناصب الثلاثة الأساسية، وان لرئيس مجلس النواب مواقفه، ولرئيس الحكومة مواقفه أيضا، وان رئيس الجمهورية هو رئيس معظم السلطات كما يقول الرئيس حسين الحسيني رئيس مجلس النواب سابقا، وفيلسوف الطائف دائما وان الوصاية هي التي أقامت، بعد الطائف، ثلاثة مسؤولين عن البلد، لتستطيع دفعهم الى الخلاف، ومن ثم مصالحتهم ودعوتهم الى التوافق.

هواجس ومخاوف

بعد نصف قرن تقريبا، وصل الى رئاسة الجمهورية العماد ميشال عون، والى رئاسة الوزارة الرئيس سعد الحريري، وبقي الرئيس نبيه بري في رئاسة المجلس النيابي.

وهنا تكمن غياهب غامضة، في الداخل والخارج ثمة قرار ب التوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وفي الداخل أيضا ثمة تعارض في بعض المواقف بين الرجلين. الأول لأنه قال صراحة انه لن يسير بالقانون الانتخابي على أساس قانون الستين، والثاني يميل الى النظام الأكثري إرضاء لحليفه النائب وليد جنبلاط. والصراع بين الرجل الأول في الدولة، والرجل الثاني الرئيس نبيه بري قد خفّت وطأته وتقلّصت مفارقاته، لأن الرجل الثاني مع النسبية كاملة غير مجتزأة.

ويبدو ان اللجنة الرباعية تجد نفسها أمام عشرة أيام حاسمة ستتكثف خلالها اللقاءات والاتصالات والمشاورات على مختلف المستويات للتفاهم على صيغة لمشروع يعلن قبل ٢١ شباط.

ويقال ان الخلاف يركّز على معالجة أسس ليست واسعة، وان كان الثنائي الشيعي يميل الى التأجيل في القضاء وعلى ضرورة حصول المرشح على نسبة عشرة في المائة من مجموع الأصوات في القضاء.

وثمة مشروع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الذي وان يكن لم يطرح تفصيلا في الاجتماع الأخير، إلاّ أنه مطروح على جدول النقاش لكن النسبية الكاملة التي يلحظها تبقى موضوع نقاش حقيقي.

هل صحيح ما يُشاع ويقال عن انهيار الأحلام المعقودة حينا والمتنافرة أحيانا عن المشروع الانتخابي المختلط بين النظامين الأكثري والنسبي.

وهل تصبح المراهنات المعقودة على توافقات قد تصحّ أو لا تصحّ، بعد عودة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جولته الافريقية، بعد عاصفة الخلافات التي اجتاحت اللقاءات بين الحلفاء في حزب الله وحركة أمل، وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، قبل انتهاء المدة الفاصلة عن الموعد المحدد للانتخابات بعد قول رئيس الجمهورية، انه يفضّل الفراغ على قانون الستين، وسط أقوال مفادها ان صورة المأزق الانتخابي تواجه مرحلة غامضة تسود أركان اللجنة الرباعية.

وفي المعلومات ان اللجنة وجدت نفسها أمام تباينات معقدة، إلاّ أنها لم تقطع الأمل بالاتفاق على حلّ.

هل البلاد أمام مأزق أم أمام حلّ؟ يواجه تركيبة السلطة، أم انها تقوى باعتماد حلّ وسط يقضي باعتماد النسبية التي يتمسك بها رئيس الجمهورية ولو بشكل ملطّف، وهل يقبل العماد عون بالتوافق على هذا الأساس مع الرئيس سعد الحريري، ولا يكون الأستاذ وليد جنبلاط بعيدا من هذا المخرج؟

ويبدو ان العماد عون يتجه الى معالجة الأشهر الستة الفاصلة عن عهده وعن حكومته ونظامه، وعن ما هو قائم الآن ولو ب غموض سافر لأن الحكومة القائمة تشكلت على هذا الأساس، ويصعب تغييرها.

ويلمّح الرئيس الجديد للجمهورية، الى ان عصره المقبل، يشكل جسرا تعبر عليه أفكاره التي يتبناها قبل نحو ٧٥ سنة، وبعد التهجير وأثناءه، وبعد عودته الى البلاد.

أما الرئيس سعد الحريري، فانه يواجه قراره في تبديل بعض الوجوه في كتلته النيابية، ولا سيما الذين واكبوا المعركة الرئاسية الأولى بأوراق بيض.

كانت باكورة هذه المواقف اعلان نائب البترون انطوان زهرا عدم الترشح للانتخابات المقبلة، وهو المعروف بتحالفه مع الوزير الشيخ بطرس حرب، تمّ اعلان نائب بيروت محمد قباني عدم نيّته في خوض المعركة الانتخابية المقبلة.

إلاّ ان رئيس لجنة الأشغال النيابية أكد استمراره في العمل العام، وقام الأسبوع الفائت بزيارة رئيس الحكومة السيد سعد الحريري، كما ان نوابا آخرين في طرابلس، الشمال، باتوا يحجمون عن الادلاء بتصاريح سياسية بعد نشوب الأزمة الصامتة مع زعيم تيار المستقبل.

إلاّ أن المعركة الأشد حرارة، تبدو بين الرئيس سعد الحريري والوزير السابق أشرف ريفي الذي يخوض مجافاة مع وزير الداخلية نهاد المشنوق.

استطاع أشرف ريفي الاتيان برئيس مجلس بلدي في طرابلس ومعه شلّة من المرشحين، لكن كيف ستكون الانتخابات النيابية المقبلة، هل يتحالف سعد الحريري مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي انتزع منه رئاسة الحكومة، عندما كان على أبواب البيت الأبيض الأميركي، أم يتحالف مع الوزير السابق للمالية محمد الصفدي أم يعود الحريري الى حلفائه السابقين وفي مقدمتهم النائب السابق مصطفى علوش، إلاّ أن الجفاء باد بين ميقاتي والصفدي، وان كان الوزير الحالي محمد كباره معه في الحكومة والوزير السابق النائب سمير الجسر حجر الزاوية في أية تحالفات طرابلسية.

طبعا، لا أحد يمكن أن يحدد آفاق معركة طرابلس، بوجود النائب سليمان فرنجيه صاحب المكانة المرموقة في العاصمة الثانية.

ومنذ نصف قرن، وزعماء زغرتا، كانوا يسكنون في العاصمة الثانية، ويقيمون علاقات طيّبة مع زعمائها وقادتها، خصوصا مع الرئيس رشيد كرامي منذ وفاة والده الرئيس عبد الحميد كرامي في العام ١٩٥١.

طبعا، عرفت العاصمة الثانية تحالفات وتباينات ولا سيما بين الرئيس رشيد كرامي وراعي الأبرشية المارونية في الشمال المطران أنطون عبد الذي كان يمثل القطب الجامع بين الرئيسين فرنجيه وكرامي.

وعندما أصبح أبو طوني رئيسا للجمهورية أحجم عن التدخل في السياسة الطرابلسية على الرغم من علاقاته الوطيدة مع رجالاتها وقادتها السياسيين.

في صباح يوم قائظ، ذهب الرئيس سليمان فرنجيه الى بيروت، يومئذ غادر منزله الكائن في جوار مقهى النفرسكو في ساحة الكيال القريبة من مكتبه في العاصمة الثانية. ووضع لائحتين في محفظته، الأولى كانت تنطوي على مطالب اجتماعية لجماعة لا يعرف أحدا من أفرادها، والثانية كانت تنطوي على مطالب سياسية، وعلى حقوق يعتقد أصحابها انهم محقون بها.

عندما وصل الى بيروت قصد مكتب صديق عزيز عليه، وأجرى منه اتصالات بمديري شركات وأصحاب أعمال جليلة، وتوجه من ثم الى المصيطبة لموافاة صديق العمر صائب بيك سلام.

وبعد عودته الى طرابلس، استدعى أصدقاء راجعوه في القضايا الاجتماعية، وأبلغهم انه أنجز لهم بعض حقوقهم، ومن عجز عن اعادتهم الى أعمالهم، استطاع ان يحصّل لهم على ترضيات مالية، فوق تعويضاتهم القانونية التي قبضوها.

بعد ذلك اختلى الزعيم الزغرتاوي بعدد ضئيل من المقرّبين منه سياسيا، وقال لهم ان دولة الرئيس صائب سلام وهو شخصيا سيتابعان المواضيع مع الرؤساء اللبنانيين، وفي المقدمة مشروع قانون الانتخابات النيابية.

وقبل ان يدعو زواره الى تناول العشاء الى مائدته، كما درجت العادة، قال عبارة مقتضبة ذهبت حكمة عند أهل السياسة: قانون الانتخابات هو نصف المعركة الى النيابة.

لاحظ سليمان بيك فرنجيه، وجود رجل يزوره للمرة الأولى، فسأله عما يريد أن يخدمه. قبل الانتقال الى المائدة. فرد بأنه يواجه أزمة معيشية مع عائلته، لأن ثمن كيلو الخيار يبلغ ست ليرات لبنانية.

ضحك الرئيس فرنجيه وقال له: اعمل مثلي. وتمهّل في شراء كيلو الخيار حتى يصبح سعره ليرتين فقط. ثم أردف: هل حضرتك شيوعي.

ورد الزائر: بعدني في الباب.

وقال له فرنجيه: تابع طريقك وادخل اليه، ثم أخبرني بما تشاهد.

ومرّت السنون وأصبح سليمان فرنجيه نائبا عن دائرة زغرتا مع الرئيس رينه معوض. وعندما تسلّم حقيبة وزارة الاقتصاد وحقيبة وزارة الهاتف، غادر منزل صهره لوسيان دحداح، في بيروت ليجتمع الى السفير السوفياتي في العام ١٩٧٠، وسلّمه دعوة لزيارة موسكو.

يومئذ، قال أحد زواره: هل يعقل أن يذهب زعيم سياسي الى اللقاء مع سفير دولة كبرى، واسمه من الأسماء المتداولة لرئاسة الجمهورية.

قرابة منتصف الليل، عاد سليمان فرنجيه الى منزل صهره لوسيان دحداح وسارعت كريمته السيدة لمياء فرنجيه الدحداح الى الاحتفاء به كعادتها، وبدا الارتياح ظاهرا على وجهه.

هل غادر سليمان فرنجيه الى منزل صهره رودريك ب شيء ما جعل الابتسامة تزيّن وجهه؟

بعد عدة أشهر، وفي ١٧ آب ١٩٧٠، انتخب النواب سليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية. يومئذ بادر نائب رئيس مجلس النواب ميشال ساسين الى اعلان فوزه بصوت واحد، وبادر أيضا الرئيس شارل حلو الى الاتصال بالرئيس صبري حماده رئيس مجلس النواب والشهابي العتيق وطلب منه احترام اللعبة الديمقراطية ولو بصوت واحد، أو بنصف صوت.

هل كان فوز الوزير سليمان فرنجيه برئاسة الجمهورية، في عصر حكومة معظم أعضائها من الشهابيين، مفاجأة معركة ١٧ آب ١٩٧٠، أم هي من ثمار ما فعله الرجل في خدمة الناس، أم هي حصيلة القانون الانتخابي على النظام الأكثري والذي وصفه الرئيس فرنجيه، بأنه نصف المعركة الى رئاسة الجمهورية.

يومئذ، أصبح كل نائب يزعم انه كان وراء فوز سليمان فرنجيه برئاسة الجمهورية.

إلاّ أن النائب فواد غصن الذي كان يجلس في مقاعد الحكومة الى جانبه، كتب اسم نائب زغرتا على ورقة، وأبرزها له، ثم وضعها في صندوقة الاقتراع.

وكان نائب الكورة الآخر باخوس حكيم قد وقف في تكتل الوسط وأبدى اصراره على انتخاب فرنجيه لرئاسة الجمهورية.

وهذا ما جعل نواب الأستاذ كمال جنبلاط الذين أعطوا فرنجيه نصف أصواتهم ومعظم الكتل الأخرى يقولون انهم بمواقفهم ساعدوا فرنجيه في الوصول الى الرئاسة الأولى.