IMLebanon

نحو المزيد من التقهقر!

 

 

لا يمكن الاستمرار في هذه الحالة التراجعيّة والانهزاميّة أمام التقهقر الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي الذي يشهد تدهوراً دراماتيكيّاً ومنعطفاتٍ خطيرة ستودي بالبلاد نحو الانفجار الكبير والفوضى المتزايدة التي ستخرج عن السيطرة وتتجه نحو واقع جديد لا تقل صعوبته عن حقبة الحرب الأهليّة المدمرة.

 

لا يمكن الاستمرار في التمسك بالقشور السياسيّة وإلباسها العناوين الدستوريّة البرّاقة مثل التمسك بالصلاحيّات أو إستعادة الأدوار المفقودة، أو الشعارات التي باتت ممجوجة وفارغة من أي مضمون مثل “الحقوق” والحفاظ عليها وعدم التفريط بها. لتذكير هؤلاء: “فرط” البلد!

 

لا يمكن التغاضي عن أن التسوية السياسيّة كانت فوقيّة ومصلحيّة تجاوزت أعراف التفاهم الوطني وأخلت بالموازين الداخليّة الحساسة وأفضت إلى واقع صعب، كما أن الخروج عن التسوية أفضى إلى واقع كارثي. عندما تكون مرتكزات التسوية مصلحيّة بحتة، غالباً ما تتحوّل إلى عبء على البلاد؛ ولكن عندما تكون مبنيّة على أسس واضحة منزهة عن المصالح الخاصة وتلامس المصلحة الوطنيّة العليا، فهي تسوية مطلوبة لا بل ضروريّة في بلد تصعب فيه إدارة التنوّع كما هي الحالة اللبنانيّة.

 

اليوم، المطلوب تسوية إنقاذيّة تحافظ على ما تبقى من البلد وأهله، تعيد شيئاً من الثقة المحليّة والخارجيّة، تعطي رسالة أمل إلى اللبنانيين الذين ضاقت بهم سبل العيش إلى مستويات غير مسبوقة، توقف الهجرة الجماعيّة لا سيّما لأصحاب الاختصاص والفكر، تضع الحد الأدنى من الخطوات الاصلاحيّة المطلوبة التي يمكن من خلالها الخروج التدريجي من القعر والاتجاه نحو حقبة جديدة.

 

صحيحٌ أن المرحلة الفاصلة عن الانتخابات النيابيّة هي مجرّد شهور معدودة، ولكن بقاء الأمور على هذا المنوال لن يتيح المجال أمام صمود الناس حتى يحين موعد الانتخابات المقبلة. الانهيار يسابق كل المواعيد وكل الاستحقاقات مهما كانت مهمة. حبذا لو تكون هذه المحطة الديموقراطيّة فرصة جديّة لإحداث التغيير ولإشراك أوسع شريحة ممكنة من شرائح المجتمع في التمثيل وفق ما تستحقه من ثقة الناخبين. ولكن، التجارب التاريخيّة والسياسيّة السابقة في لبنان تؤكد أن المسرح السياسي في مكان (رئاسة، مجلس نواب، حكومة) بينما القرار السياسي في مكانٍ آخر.

 

قد تشهد البلاد إنتخابات نيابيّة وفق القانون الحالي (الذي نقل المنافسة بين اللوائح إلى منافسة في داخلها وبين أعضائها بسبب بدعة الصوت التفضيلي)، ومن الممكن لها أن تفرز كتلاً نيابيّة جديدة توازياً مع إعادة إنتخاب عدد من الوجوه القديمة. ولكن مهما تمخضت الانتخابات عن نتائج وأرقام، فإن التغيير ليس سهلاً.

 

ثمّة قوى تقبض على السلطة، وعلى القرار السياسي في البلد، وهي قادرة بفائض قوتها الالتفاف على النتائج الانتخابيّة وترويض الحياة السياسيّة بما يتوافق مع رؤيتها ونظرتها المستقبليّة للبنان، بمعزل عمّا إذا كانت على تعارض مع رأي غالبيّة اللبنانيين.

 

ليس المطروح إطلاقاً الانتقاص من أهميّة الاستحقاق الانتخابي والديموقراطي أو من أهميته في بث دماء جديدة في عروق المؤسسات الدستوريّة التي عانت من الشلل والتعطيل شبه المنهجي خدمة للمصالح الفئويّة والخاصة. وليس المطروح عدم إجراء الانتخابات في موعدها كمحطة أساسيّة في تجديد الحياة الوطنيّة والسياسيّة المحليّة.

 

ولكن من الضروري الادراك سلفاً أن هذا المسار الحتمي بإجرائه ليس حتميّاً بنتائجه. كيفيّة ترجمة النتائج هي التحدي الأكبر في ظل الاختلال الكبير لموازين القوى الذي تشهده الساحة الداخليّة بكل تعقيداتها وتشابكاتها. إلى ذلك الحين، لا بد من البحث الجدي في كيفيّة تعزيز صمود المواطنين وتوفير الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم قبل أن يتكبّد لبنان المزيد من الخسائر البشريّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة.