الموفد الدولي ستيفان دي ميستورا يضع مسار جنيف-٣ تحت عنوان عريض: الانتقال السياسي هو الحل لأزمة سوريا. وهو عنوان قابل للالتباس الخلاق في العمل الديبلوماسي عبر جمع الغموض والوضوح معاً، بحيث يستطيع كل طرف أن يفسره كما يريد أو أن يستخدمه كغطاء للتراجع عن موقف عالي السقف. فالرجل المحكوم بأن يمارس دوره في اللعبة ضمن القواعد الروسية – الأميركية، يحاول ارضاء كل الأطراف أو أقله عدم اغضاب أي طرف تجنباً لأية عراقيل على الطريق الى جنيف. والانتقال السياسي هو التعبير المناسب لتغطية الانتقال التراجعي من بيان جنيف-١ الذي نص على تأليف هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة الى بياني فيينا وتفاهم ميونيخ والقرار ٢٢٥٤ حيث النص على حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية.
ذلك أن المعارضة تتمسك ببيان جنيف-١ وتقول إن شرطها للمشاركة في المحادثات غير المباشرة هو اعطاء الأولوية للبحث في تأليف هيئة الحكم الانتقالي. والنظام الذي اسقط بمساعدة الروس بيان جنيف-١ في جنيف-٢ واعتبر بلسان رئيسه بشار الأسد أن هيئة الحكم الانتقالي تعني تحقيق ما لم يتحقق من فوضى عبر الارهاب، يوحي أن أقصى ما يطرحه للتسوية هو اشراك معارضين في حكومة وحدة وطنية. وهو مطمئن الى دعم موسكو وطهران له، وإن كانت هناك أسئلة حول ما يمكن أن ينتهي اليه الموقف الروسي في الصفقة التي لم تكتمل بعد مع الأميركان. وعلى العكس، فإن المعارضين الذين رأوا تحولات وتراجعات ملموسة في مواقف كثير من الدول الداعمة لهم يبدون قلقين حيال الرهان الأميركي والأوروبي على الدور الروسي وعجز القوى الاقليمية صاحبة المواقف المتشددة الى جانبهم عن التأثير في موقف موسكو العسكري والسياسي.
لكن نصوص البيانات والقرارات الدولية ليست العامل الوحيد المهم والمؤثر في التفاوض، بصرف النظر عن الاتكال العربي الدائم على ديبلوماسية الاحتجاج بالنصوص وحدها. ومن الصعب في ضوء الخارطة العسكرية على الأرض توقع اختراق في جنيف. فلا الوضع العسكري للمعارضة يضمن لها الحصول على تنازلات تقود الى هيئة حكم انتقالي. ولا الوضع العسكري للنظام يضمن تسليم المعارضة له بالدخول في حكومة وحدة وطنية ضمن عملية تجميل للنظام. ولا ما أحدثه الروس من تبدل في موازين القوى وعلى الخارطة يكفي لفرض التسوية السياسية التي ترسمها موسكو في اطار التفاهم مع واشنطن، بصرف النظر عن تصورات التسوية لدى كل من طهران وأنقرة والرياض.
ولا أحد يعرف متى ينتهي عجن المنطقة قبل أن تبدأ عملية التقطيع ثم توزيع الأرغفة. –