IMLebanon

اشارات سياسية على هامش تشييع «الأفندي»

اشارات سياسية على هامش تشييع «الأفندي»

«الإجماع الوطني» ينعقد في وداع عمر كرامي

ودّع لبنان، أمس، الرئيس عمر كرامي في مأتم رسمي وشعبي مهيب يليق بـ «الزعيم» الذي بادلته طرابلس أمس الحب بالحب والوفاء بالوفاء فخرجت بقياداتها وعائلاتها وهيئاتها وأبنائها للقائه الأخير، وفتحت أبوابها للمعزين الذين وفدوا إليها من مختلف المناطق اللبنانية.

بالأمس كان المشهد الطرابلسي مختلفاً.. قصر كرم القلة الذي كان يضج بالحيوية في كل يوم جمعة بلقاء «الأفندي» مع محبيه، ويشهد تدافع الأنصار لالقاء التحية عليه، خيم الحزن على أرجائه واتشحت جدرانه بالسواد وبصور «أغلى الرجال»، فالرئيس كرامي دخله هذه المرة مسجّى في نعش بعدما كان يدخله سابقا محمولا على الأكتاف وسط هتافات الفرح. هذه المرة تدافع مناصروه لالقاء النظرة الأخيرة عليه على وقع التكبيرات وأصوات النحيب.

جمع عمر كرامي القيادات السنية وكثير من القيادات اللبنانية من كل المشارب خلف نعشه، في تشييع كان عبارة عن إجماع وطني على «الأفندي» بما كان يمثل من قيمة وقامة وطنيتين، وأظهر ذلك حرصا سياسيا لبنانيا على ضرورة أن يبقى هذا البيت السياسي العريق حاضرا في المشهد الشمالي والوطني.

كما وحّدت لوعة الفراق أبناء طرابلس الذين أظهروا عاطفة طرابلسية جياشة تجاه «الأفندي» وأكدوا تمسكهم باستمرار المسيرة الكرامية التي تولاها فيصل كرامي وزيرا في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبل وفاة والده.

ثمة إشارات سياسية عدة حملها تشييع كرامي أمس أبرزها:

أولا: تماسك التحالف السياسي بين الرئيس نجيب ميقاتي وبين الوزير السابق فيصل كرامي والذي جسّده ميقاتي بحرصه على أن يكون أول الحاضرين الى قصر كرم القلة، وبقائه الى جانب فيصل كرامي في مسيرة التشييع لحين وصول النعش الى مقابر باب الرمل، فضلا عن المشاركة الواسعة في التشييع من قبل «تيار العزم».

ثانيا: مشاركة تيمور وليد جنبلاط على رأس وفد كبير من وزراء ونواب اللقاء الديموقراطي ومشايخ الموحدين الدروز، ما أعاد الى الأذهان مشاركة النائب وليد جنبلاط على رأس وفد درزي كبير في ذكرى أربعين الرئيس الشهيد رشيد كرامي، ما يشير الى حرص زعيم المختارة على استمرار ربط المسيرة الجنبلاطية بالمسيرة الكرامية.

ثالثا: مشاركة الرئيس فؤاد السنيورة وقيادات «تيار المستقبل» من طرابلس وبيروت وصيدا في التشييع والتي جاءت تجسيدا للعلاقة الشخصية التي كانت تربط الرئيس الراحل بالرئيس الشهيد رفيق الحريري بغض النظر عن الاختلاف السياسي، وللتحية التي وجهها الرئيس سعد الحريري الى من أسماه «الأخ والصديق» فيصل كرامي.

رابعا: غياب أي ممثل لـ «القوات اللبنانية» عن التشييع، بما يؤكد استمرار القطيعة بينها وبين آل كرامي.

إذاً، فقد جسدت طرابلس أمس وفاءها للرئيس عمر كرامي، وللدوحة الكرامية، فاستفاقت المدينة على أصوات المآذن تصدح بالآيات القرآنية في كل مناطقها، وعمَّ الحداد والاقفال التام كل الأسواق، وانتشرت غابة من الصور ولافتات العزاء في مختلف الشوارع والساحات.

تحرك موكب التشييع من أمام مستشفى «الأميركية»، وكانت له محطات في أسواق بيروت، ثم في جونية وجبيل والبترون حيث استقبله هناك أنصار «التيار الوطني الحر» بالتصفيق والمفرقعات النارية، وصولا الى القلمون التي أبى أهلها إلا إنزال النعش من السيارة والسير به على الأوتوستراد.

في غضون ذلك، كان أبناء طرابلس يتجمعون عند «ساحة القدس»، وفي محيط منزل الرئيس كرامي، وفي ساحة عبد الحميد كرامي، فيما كان الزوار يتوافدون الى قصر كرم القلة، وذلك على وقع موسيقى الكشاف وقرع طبول النوبات الصوفية.

عند العاشرة إلا ربعاً، وصل الموكب الى «ساحة القدس» حيث استقبله حشد من أبناء المدينة، وسلك طريق الضم والفرز باتجاه منزله حيث ألقى جيرانه ومحبّوه النظرة الأخيرة، ثم الى ساحة عبد الحميد كرامي التي تلاقى فيها المشيعون حيث حمل فيصل كرامي وعدد من أبناء العائلة النعش على الأكتاف، يتقدمهم المهندس معن كرامي وخالد وطلال ووليد كرامي، قبل أن يتسلم عناصر من فوج الاطفاء مهمة حمل النعش الذي شق حشود المشيعين في باحة كرم القلة بصعوبة برغم الأمطار الغزيرة، وأدخل النعش الى صالون المكتب حيث ألقيت النظرة الأخيرة عليه.

وعند العاشرة والنصف، تحرك موكب التشييع ووضع النعش على عربة مدفع يرافقه نبيل بارودي سائق الرئيس كرامي على مدى 27 عاما، وتقدمه حملة الأكاليل والفرق الكشفية والنوبات الصوفية، وعزفت موسيقى قوى الأمن الداخلي لحن التكريم، وقدمت ثلة من الدرك السلاح، لينطلق الموكب سالكا طرقات ساحة كرامي، بولفار فؤاد شهاب، الروكسي، ساحة التل، السرايا العتيقة، شارع المكتبات، وصولا الى الجامع المنصوري الكبير، حيث وضع النعش في غرفة الأثر الشريف.

وألقى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان كلمة قال فيها إن من حق طرابلس علينا جميعا، أن نعمل على رفع الظلم عنها، حتى تعود إلى ممارسة دورها التاريخي، وأكد دريان أنه لا يمكن أن يلتقي العلم مع التطرف، ولا الفكر مع الإلغاء، ولا يمكن أن تلتقي السماحة مع الإرهاب، ولا العيش المشترك مع رفض الآخر. وختم: «أن تكون لبنانياً وطرابلسياً يعني أن تكون قويا في إيمانك، عزيزاً في وطنك، ولقد عاش الرئيس عمر كرامي على هذه الثوابت ومات عليها».

بعد الصلاة، أقيمت صلاة الجنازة ثم انطلق موكب التشييع بمشاركة رئيس الحكومة تمام سلام، الرئيس السابق ميشال سليمان، النائب علي بزي ممثلا رئيس مجلس النواب، الرؤساء حسين الحسيني، فؤاد السنيورة بصفته الشخصية وممثلا عن الرئيس سعد الحريري، نجيب ميقاتي، رفعت بدوي ممثلا الرئيس سليم الحص، وزير الخارجية جبران باسيل ممثلا النائب العماد ميشال عون، تيمور جنبلاط ممثلا والده النائب وليد جنبلاط وحشد كبير من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين وقادة عسكريين وأمنيين وسفراء وشخصيات ديبلوماسية وعسكرية وروحية واجتماعية واقتصادية ونقابية وتربوية وهيــئات المجــتمع المـــدني وجمهور غفـــير من أبنـــاء طرابلس.

وسلك موكب التشييع الخط الممتد من ساحة النجمة وصولا الى مدافن العائلة حيث ووري جثمان كرامي في الثرى الى جانب والده الزعيم عبد الحميد كرامي وشقيقه الشهيد رشيد كرامي، فيما أطلقت المدفعية 21 طلقة.

وحضر سلام والسنيورة وميقاتي وسفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان إنجلينا أيخهورست الى منزل كرامي وقدموا التعازي الى «ام خالد»، فيما أولم فيصل كرامي على شرف المشاركين في التشييع.