IMLebanon

«الحريرية السياسية».. وجرح التمثيل المسيحي المفتوح

تحضيرات لتصعيد بـ«السقف العالي»: لا يُساس البلد بلا رئيس!

في التسجيل الذي بثته المحكمة الدولية بصوته، مع وزير الخارجية السورية وليد المعلم، ظهر الشهيد رفيق الحريري رافضا للتقسيمات الانتخابية لبيروت، كما وضعها (وزير الداخلية) سليمان فرنجية. وقد ردّ الحريري سبب الرفض الى ان تلك التقسيمات تجعل الاشرفية دائرة واحدة و «تضع المسيحيين وحدهم والمسلمين وحدهم، ولأننا لا نريد نوابا مسيحيين متطرفين». وقال للمعلم ما حرفيته: «انا في بيروت جبت كل النواب المسيحيين، سمِّ لي واحدا متطرفا». ثم قدم غطاس خوري مثلا ونموذجا للمعتدلين. وادرج في خانة المتطرفين من قال انهم سيترشحون لتلك الدائرة: ميشال عون، جبران تويني، صولانج الجميل وامين الجميل…

بالرغم من ان هذا الكلام ورد على لسان الشهيد الحريري قبيل اغتياله منذ عشر سنوات، فإن جوهر هذا الكلام في نظر مستويات مسيحية سياسية وكنسية، لم يسقط بمرور الزمن، بل مازال معمولا به حتى يومنا هذا، ولذلك من الطبيعي أن يأتي صداه المسيحي امتعاضا، كما يقول احد كبار المطارنة «فما قاله الحريري كان بمثابة محطة تذكيرية للمسيحيين بالاجحاف والغبن المزمن والمستمر بحقهم، وبمصادرة حضورهم ودورهم واختيار ممثليهم، بمعزل عنهم، في مجلس النواب او في الحكومة وحتى في الوظائف الادارية».

المنطق المسيحي السياسي والكنسي يعكس استياءً واضحا وجديا «من النهج المصادر للتمثيل المسيحي الذي بدأ مع الحريري الاب منذ العام 1992 وتابعه الحريري الابن منذ العام 2005، حيث درجت الحريرية السياسية ومنذ دخول الحريري الأب شخصيا المعركة النيابية في العام 1996 وحتى يومنا هذا، على حصر التمثيل المسيحي بشخصيات لا حول لها ولا قوة او حضور بالمعنى المسيحي او حضور ولو شكلي حتى في بيئاتها، وظيفتها فقط ان تخدم البيت الحريري حصرا وان تكون على الدوام، متكأً له للوصول الى السلطة، حتى ولو كانت هذه السلطة تابعة لسوريا (قال الحريري لوليد المعلم: انا كلي لسوريا، وافعل لها كل ما تريد)، او تابعة لأية دولة أخرى كالسعودية مثلا، والشواهد اكثر من ان تحصى في هذا المجال».

الا ان الملامة الكبرى يلقيها السياسيون والكنسيون، على القوى والاحزاب المسيحية المنضبطة بكليّتها حاليا تحت عنوان «14 آذار»، والتي استسلمت للحريرية، واكتفت بالارتزاق النيابي او الوزاري او الوظيفي الضيق على ضفافها وعلى حساب مصلحة المسيحيين بشكل عام.

تلك القوى، يضيف هؤلاء، «تدرك ان هناك خطأ بدأ مع الحريري الأب بتصنيف بعض المسيحيين بالمتطرفين، ومع ذلك يبلع المصنَّفون ألسنتهم ولا يجرؤون حتى على ابداء التحفظ».

كما انها ترى بكل وضوح، «الخطأ التمثيلي الفاقع بحق المسيحيين، الذي ارتكبه الحريري الأب وهو مستمر حتى الآن. ومع ذلك، إما تغمض عينيها، أو تلوذ بالصمت ولا تحرّك ساكنا. بل لا تجرؤ حتى على مجرّد النطق بوجود هذا الخطأ، حفاظا على مكاسبها، واما تعطي الاذن الطرشاء لكل الاصوات المطالبة بتمثيل صحيح، وإما تشارك في إعدام أيّة فرصة لتحقيق تمثيل عادل ومتوازن، كما فعلت مع مشروع «اللقاء الارثوذكسي».

المنطق المسيحي السياسي والكنسي يرى في النهج المصادر للتمثيل، «خروجا على الطائف الذي يقول بالتوازن والمناصفة الحقيقية والعادلة بين المسلمين والمسيحيين، وليس بمناصفة عرجاء عمادها مصادرة تمثيل هذه الطائفة او تلك والاتكاء عليه كجسر عبور الى السلطة، ومن ثم محاولة الاستئثار بكل الوظائف والمواقع والرئاسات، وقطع الطريق على اية استحقاقات ما لم تأت نتائجها ملبية لطموحات واحلام ومصلحة اصحاب النهج المصادر للتمثيل».

المنطق ذاته يقول ان كلام الحريري امام المعلم، لم يكن مفاجئا للوسط المسيحي، «فقد كان مطبقا على ارض الواقع على مدى السنوات الماضية. لكنه في هذا الوقت، سقط على واقع مسيحي مأزوم، ومحتقن، يشعر بالغبن التمثيلي، وبالتجاهل الكلي لحقوقه كأحد المكونات الاساسية في البلد وكشريك في السلطة والقرار».

أبعد من ذلك، فإن الواقع المسيحي، في ظل التمديد المتتالي للمجلس النيابي وغياب القانون الانتخابي العادل والمتوازن، الذي تمنع الوصول اليه العقلية التفرّدية السائدة والالغائية للمسيحيين، وفي ظل الفراغ الرئاسي والتعطيل المتعمد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بات يخشى فعلا من ان تترسخ قاعدة ان البلد يساس من دونه.

وابعد من ذلك ايضا، فإنه امام كل هذا الغبن وسعيا الى استعادة التمثيل والشراكة الحقيقية وانتزاع الحقوق والحضور كما يجب، ثمة تحضيرات جدية لخطوات مسيحية عملانيّة على الارض. ويقول احد المشاركين في اعدادها «لقد اقترب المسيحيون من لحظة الذهاب الى لغة السقف العالي، لا بل اقتربوا من لحظة الانفجار وصاروا على اهبة الاستعداد لتحرّك مفتوح على شتى الاحتمالات، وسيظهر جليا في الآتي من الايام».

تبعا لذلك لا تتردد تلك الشخصية في القول ان «الطائف يترنّح، ومن قال انه ابو الطائف وامه، كان أوّل من مسّ به بتفسير المناصفة وتطبيقها». ولكن لا تستطيع تلك الشخصية ان تحدد البديل، تقول ان الضرورة والتجربة الفاشلة على مدى السنوات الماضية باتت تحتم الوصول الى عقد اجتماعي جديد.

وعلى خط مواز، بكركي مستنفرة رئاسيا، لكنها لم تتمكن من اسماع كلمتها لمن يجب ان يستمع اليها، البطريرك بشارة الراعي مستاء، فكأنه، على ما يقول مقربون، يصرخ في واد ومن يجب ان يسمع في واد آخر، او يصم اذنيه. ما يزعجه ان لا وقع لكلامه ولا استجابة لما يطرحه في ما خص انهاء حالة الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

يقول المقربون «ليس هناك فراغ رئاسي فقط، ولا فراغ تمثيلي فقط، بل إفراغ لتأثير البطريرك على مجرى الاحداث، فلا الكنيسة بوجهها اللبناني او بوجهها الفاتيكاني ولا المجتمع المسيحي، قابلة بأن يبقى صوت البطريرك شبيها بصوت يوحنا في الصحراء»، والكلام هنا لأحد كبار المطارنة الذي حاول ان يقف على مغزى ما قاله فؤاد السنيورة قبل ايام من انه لم يعد هناك تأثير للبطريرك في موضوع رئاسة الجمهورية.

ثمة تدقيق جدي من قبل بعض الكنسيين في ما نقل عن احد المراجع السياسية، حيث قال «انه يستبعد اجراء انتخابات رئاسية وفق الدستور الحالي والصلاحيات الحالية لرئيس الجمهورية»، لم يتمكن هؤلاء حتى الآن من الوقوف على ما دفع المرجع المذكور الى قول هذا الكلام.

ينقل احد المقربين من بكركي خشيتها من فراغ رئاسي دائم، خاصة ان هناك نظرية تقول ان التوزيع المذهبي للرئاسات هو توزيع «عُرفي» دستوري، وليس بموجب نص دستوري، وعدم تطبيق «العُرف» قد يؤدي الى زوال «العرف»، فضلا عن ان الوجود المسيحي في لبنان والمشرق العربي لا يمكن ان يحتمل المس بهذا العرف الدستوري، خاصة وان هناك «عُرفا» دستوريا جديدا ينشأ ويقول بأنه في الامكان ان يساس البلد بلا رئيس للجمهورية على نحو ما هو جار حاليا، في غياب رئيس الجمهورية وفي ظل انتقال صلاحياته الى مجلس الوزراء ورئيسه تحديدا.

ولأن الأمر لم يعد يحتمل، تقول الشخصية المقربة من بكركي، فإن المجتمع المدني المسيحي، وبدفع من الكنيسة، بصدد اتخاذ خطوات تصعيديّة تأخذ شكل اعتصامات وتحركات دعما للبطريرك ومواقفه، وللمطالبة بالاسراع في اجراء الانتخابات الرئاسية، وقد تبدأ بالظهور خلال أيام معدودة.