في الوقت الذي كانت فيه الحكومة تدرس سبل تخفيض انفاقها ونسبة العجز في موازنتها المقبلة، كان الشارع ينبض بالاعتراضات ويطلق الصرخات احتجاجاً على الازمات المتلاحقة والتي تبدأ بالمحروقات ولا تنتهي بالقمح. وعلى الرغم من التطمينات التي توالت منذ مساء اول من امس من أجل تهدئة الشارع، والتأكيد من قبل رئيس الحكومة سعد الحريري وفاعليات مصرفية وسياسية بأن الوضع تحت السيطرة، وأن احتياطي مصرف لبنان من العملة الصعبة قد ارتفع في آب الماضي عما كان عليه في تموز، فان مصادر نيابية معارضة رأت أن ما حصل بالامس في الشارع وعلى الرغم من أنه بدا محدوداً من حيث الحجم والتاثير على المشهد العام، هو بمثابة «بروفا « لما سيكون عليه الواقع الفعلي وذلك في حال استمرت أزمة السيولة بالعملة الاميركية في الاسواق اللبنانية، وذلك على الرغم من أن حجم العمليات بالدولار والتي تجري خارج نطاق المصارف لا تتعدى نسبة واحد في المئة
واعتبرت هذه المصادر أن موجة الاعتراضات والتي تزامنت مع شائعات أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي ، قد حملت دلالات خطرة وذلك لجهة انعكاساتها المباشرة على عملية استيعاب كل تداعيات الازمة الاقتصادية، وبشكل اساسي على مجمل عملية الاصلاح التي تضطلع بها الحكومة بضغط من مجموعة الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» والتي ما زالت تنتظر حصول أي تطورات على هذا الصعيد بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات تقريباً على انعقاد المؤتمر المذكور.
وبرأي المصادر النيابية المعارضة فإن الاصطفاف السياسي لن يصمد طويلاً في الشارع ، اذ أنها توقعت نشوء اصطفافات جديدة وذات طابع جديد، وسيكون من أبرز نجومه شخصيات من المجتمع المدني اضافة الى مسؤولين سابقين . وأوضحت أن الظروف التي يعيشها لبنان منذ فترة طويلة، لم تعد قابلة للاستمرار خصوصاً في ضوء التراجع الحاد في خطة المعالجات والتي لا تزال في اطار البحث والدراسة والنقاش في الاولويات التي تؤدي الى تسريع عملية حصول لبنان على مليارات الدول المانحة، او حتى على الاقل الافادة من مبلغ المليار وأربعة مليون دولار ، سبق وأن كانت الحكومة قد وعدت نفسها واللبنانيين بالحصول عليها .
وحذرت المصادر من خطورة توسيع اطار التحرك الميداني في المرحلة المقبلة وذلك اذا استمر ت الازمات تتوالى، مما ينذر بانتقال المناخ العام من التوتر الصامت الى الاحتجاج وربما الفوضى في الشارع. وحذرت المصادر نفسها من أن تضامن السلطة السياسية «ظرفياً» داخل مجلس الوزراء من اجل تمرير مقررات معينة تحت ضغط المجتمع الدولي والدول المانحة، سيصطدم بردة فعل الرأي العام خصوصاً اذا كانت المعالجات ستجري على حساب اللبنانيين، وذلك في ظل أرقام يتم تسريبها حول نسبة الحسومات من رواتب متقاعدي وموظفي القطاع العام او تجميد أية زيادات لمدة ثلاثة أعوام ووضع رسم جديد على البنزين والكماليات والدخان وذلك بهدف تخفيض العجز الى 7 في المئة في العام 2020 وتحقيق نسبة نمو تقارب ال1،2 في المئة، مع العلم أن الوصول الى هذه الارقام لن يتحقق من دون أن يصيب ذوي الدخل المحدود.