IMLebanon

الحل السياسي والمفاوضات والتنازلات

 

إيران تريد «نهاية للأزمة السورية» كما يؤكد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني. هذه الرغبة، ليست وليدة انتصارات عسكرية. جميع القوى المنخرطة في «الملعب» السوري تأكدت أخيراً، أنه لا يمكن لأي طرف منخرط سواء كان عسكرياً أو سياسياً، تحقيق الانتصار الناجز الذي يمكنه من تنفيذ إرادته وفرض شروطه، وأنه بعد دخول «داعش» طرفاً أساسياً، تحولت الحرب الى حرب استنزاف لن ينتصر فيها أحد.

الحل السياسي يعني حكماً المفاوضات، التي تبدأها كل الأطراف بمطالب «سقفها» عال جداً، ثم تقدم تنازلاتها لكي يصبح موقفها واقعياً منسجماً مع موازين القوى، والذي يمكنها من الحصول على أقصى ما يمكنها بأقل من التنازلات. السؤال بعد الوصول الى هذه القناعة حول الحل السياسي والمفاوضات هي: أين ومتى وكيف؟

من الطبيعي والواقعي، أن يستعرض كل طرف قدراته ومواقع قوته قبل المفاوضات أو أثناءها. لذلك مهما بدا الأمر فجًّا وكاشفاً للاستقواء السياسي، فإن ما قاله أولاً علي ولايتي مستشار السياسة الخارجية للمرشد علي خامنئي، من أن «لإيران نفوذاً أساسياً في المنطقة يمتد من اليمن الى لبنان، لم يكن أحد يتصوره»، هو عملية دمج بين الواقع والطموحات. محاولة ولايتي الذي بقي وزير الخارجية أكثر من عقد من الزمن ترطيب تصريحه بعدما شعر بسلبيته وأن المقصود «ليس السلطة والهيمنة»، لم تطل طويلاً لأن لاريجاني عدد في لبنان وسائل وأسلحة هذا النفوذ، «منها حزب الله و»حماس» فاعلين أكثر من بعض الدول».

مهما استقوت إيران بنفوذها في المنطقة فإن في قلب هذه القوة مكامن للضعف بدأت تصبح مرئية بقوة. من ذلك:

[أن سوريا ما قبل 2011 إنتهت، وان سوريا ما بعد الحل الذي لا يبدو في الأفق المنظور مختلفة جداً لأنها ضعيفة جداً.

[ان إيران استنزفت نفسها ماليًّا وسياسيًّا وحتى عسكريًّا. لقد جرّت «حزب الله» من المقاومة الى القتال الذي مهما أضفي عليه من دوافع سياسية مرتبطة بالمحافظة على المقاومة، فإن «بندقيته» أصبحت في سوريا بأمرة الجنرال قاسم سليماني الذي يقود الميليشيات لإنجاز أهداف إيرانية بحتة. لقد اندفع الحزب للغرق في المستنقع السوري، كاشفاً ظهره لاختراقات أمنية واجتماعية ضخمة جدًّا، آخرها خرق «الموساد» لواحد من أهم أجهزته الأمنية وأخطرها.

[ان ايران، التي تعاني أزمة اقتصادية غير مسبوقة لم يعد بوسعها مهما كابرت أن ترفد النظام الأسدي بالمال كما فعلت طوال السنوات الثلاث الأولى. بعيداً عن كل التسريبات حول المساعدات المالية الايرانية بالمليارات للنظام السوري، فإن الإعلان الرسمي بعد زيارة رئيس الوزراء السوري لطهران، كان قرضاً بقيمة 800 مليون دولار، وحسب قرضاً وليس منحة. وهذا المبلغ يعادل القسط الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة الأميركية حسب الاتفاق خلال المفاوضات النووية. المعروف ان سوريا تستهلك نفطاً بقيمة 800 مليون دولار شهرياً. لا يمكن لإيران من المرشد الى الرئيس الى باقي المسؤولين ومنهم لاريجاني نفسه، تبرير ضخ الأموال الايرانية للنظام السوري الى الأبد، خصوصاً بعد أن اضطرت الحكومة الى «الاقتراض من صندوقها السيادي من أجل تسديد مستحقات داخلية«.

علي لاريجاني، المسؤول الإيراني البارز، يهمه قطعاً لبنان. وعندما يتكلم عن الحل السياسي وقوة حزب الله، لا يمكن اخراج لبنان من المعادلة. قاعدة تحرك لاريجاني «قوة لبنان من قوة المقاومة«. لكن يوجد توجه دولي، «بأن لبنان أثبت طوال الحرب في سوريا ووصول «داعش» الى حدوده في جبال القلمون، قوة غير عادية وحتى غير متوقعة». وتتشارك إيران مع فرنسا خصوصاً في التعبير عن «التقدير العالي لقوة لبنان الى درجة أن تحصينه ولو بالكلام قد ساعده على الصمود، لكن أصبح من الضرورة مساعدته على الخروج من دائرة النار، من خلال اخراجه من حالة الفراغ الرئاسي، لأنه مهما كان قويا، فإنه في لحظة معينة من التطورات غير المنظورة يمكن أن يكسر صموده».

الوصول الى قناعة ناتجة عن المجريات والتطورات الميدانية، بضرورة الحل السياسي، لا تعني أن العملية قد بدأت. من الطبيعي أن يسبق انطلاق الحل، فكفكة عقد بعضها متفجر. من ذلك من يمثل المعارضة السورية؟ وماذا عن الأسد ومستقبله؟، وهل سيكون التحالف الإيراني الروسي في المفاوضات كما في الميدان؟ وماذا عن الحرب ضد «داعش» كيف ستستمر؟ وهل سيسبق كل ذلك عمليات حُسن نوايا داخل سوريا وخارجها، مثل إجراء انتخابات رئاسية في لبنان؟

أسئلة كثيرة صعبة تنتظر إجابات بسيطة وواقعية.