Site icon IMLebanon

الجمهورية في حالة هجرة دائمة عن القوانين.. هل من بــوادر إنقــاذ؟!

 

تشهد الجمهورية اللبنانية حالة إنهيار على كافة المستويات ومذكِّرة بالمأساة التي تحـلّ بالدول الفاشلة، ما يجعل مراجعة هذه التجارب في هذا المجال أمراً حيوياً يفرضه الواقع المُعاش وواجب الوقت والحال التي هي فيه من تطاول على الدستور والديمقراطية والأنظمة البنّاءة. المطلوب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ هذه الجمهورية بحث علمي موضوعي أكاديمي يشكّل قاعدة إنطلاق لأي مهتم فعلي بمجال رد ما يمكن فعله بشأن هذه الجمهورية المُشلّعة.

إنّ مراكز الأبحاث اللبنانية والتي تعمل وفقاً لمبادئ القانون والدستور وشرعة حقوق الإنسان تتحسّس الواقع الأليم لسلوكية السياسيين القيّمين على الوضع العام، وهو سلوك سياسي عدواني يحمل منطقاً مرتبطاً ببيئة ظاهر فيها الشر والتعدّي على الكرامات والسيادة الوطنية وإهمال هموم المواطنين وضرب كل مقومات الدولة. فعلاً هناك مشكلة جدّ خطيرة تتمحور حول معالجة العلاقة بين إيجاد المخارج اللائقة الإنقاذية القائمة على فكرة قول الحقيقة وإحترام القوانين، كما إظهار بيان مدى ارتباط السياسات القائمة والمنتهجة من قِبَل بعض السياسيين وحتى رجال الدين بعوامل غريبة عن المنطق العلمي للعلوم السياسية ومبادئها العلميّة والتي غالباً ما إنعكست سلباً على واقع الحال الحالي.

 

يُظهر البحث العلمي السياسي لتوظيف أي عمل سياسي رصين يتقيّد بالأنظمة والقوانين بصفته مشروع حل يُتفق عليه لبنانياً – عربياً – دولياً، لمشكلة الوضع المأزوم في الجمهورية في ردم الثغرات البنيوية في المجتمع السياسي اللبناني الآتي إلى السلطة بعملية ضرب ممنهجة للنظام الديمقراطي والذي أفضى إلى واقع سياسي غريب عن الأنظمة الديمقراطية وباتت الجمهورية جزءاً لا يتجزأ من نظام توتاليتاري شمولي مدعوم من قوة إقليمية بمؤازرة ساسة الأمر الواقع. إنّ الطبيعة الإستراتيجية السياسية تستوجب إيلاء هذه الظاهرة الغريبة عن المنظومة الديمقراطية والتي على ما يبدو طال أمدها اهتماماً كبيراً لناحية إيجاد المخرج الديمقراطي لها كي لا تبقى الجمهورية اللبنانية في حالة هجـرة دائمة عن القوانين والنظام الديمقراطي.

 

في إختصاص العلوم السياسية وفي أغلبية مندرجاته عادة ما يُصوِّب الإطارين النظري والعلمي جهدهما لمعالجة المفاهيم والإطار التنظيمي أو البُنية التحليلية للإطار القائم، والذي يؤسّس على النظرية التي يُعالج من خلالها الواقع الحاضر المُعاش ليجد له حلول جذرية طويلة الأمد. كما إختصاص العلوم السياسية يهتم بالمنهج والأسلوب النوعي الرصين الذي يُعتمد في جمع ما يُعرف بالـ «البيانات والوقائع» وتحليلها وعرض نتائجها. لذلك إنّ التحدّي الذي يُواجه واقع الجمهورية اللبنانية اليوم هو محاولة إخراج هذه الجمهورية من واقعها الأليم واللاقانوني والذي يتناقض مع القوانين المحلية (الدستور) والقوانين الدولية ( القرارات الدولية: 1559 – 1680 – 1701 – 2650)، ومنحها بنية خاصة تلتزم بشرعة حقوق الإنسان، ومنحها أيضاً بنيتها الخاصة وفقاً لِما تنص عليها مقدمة الدستور وبنوده المتماسكة وقانون الدفاع الوطني الذي يحصر في مادته الأولى مهام الدفاع عن الجمهورية بواسطة قواها الشرعية التي لا شريك لها.

من المتعارف عليه في الأنظمة السليمة إنّ سيادة القانون أساسية للسلم والأمن والإستقرار السياسي على المستويات المحلية الإقليمية – الدولية، وهذه السيادة (السيادة القانونية ) تُساهم في تقدّم السياسة – الأمن – الاقتصاد – الإجتماع، وفي حماية حقوق الناس وحرياتهم، وهي أساسية أيضاً لوصول الناس إلى الخدمات العامة، وكبح ظواهر الفساد، والحد من إساءة استخدام السلطة، وإرساء عقد إجتماعي بين الناس والدولة.

للأسف تتعرّض الجمهورية بكل مكوّنات إداراتها المدنية والعسكرية والشعب اللبناني بكل مكوناته الطائفية والمذهبية والتنظيمية (عامة الناس – أطباء – مهندسون – رجال دين – رجال سياسة – محامون – قضاة…) للاعتداءات على حقوقهم وإنتهاكها، بما في ذلك التهديد والتخويف وإطلاق الأحكام المسبقة غُبّ الطلب، وحتى التدخّل في نشاطاتهم الفكرية والمهنية والاحتجاز التعسّفي… وكل هذه الأفعال تُهدِّد حياد القضاء وإستقلاليته.

كي لا تبقى الجمهورية اللبنانية في حالة هجــرة دائمة عن القوانين، ودحضَا للواقع السياسي المُخالف لأبسط قواعد الديمقراطية، إنّ مراكز الأبحاث اللبنانية والعربية والدولية بمن فيها مركز الأبحاث PEAC، تجمع على أنّ مبدأ «المرحلة الإنتقالية» للخروج من واقع الأزمة اللبنانية يُشكِّل فرصة تاريخية لترسيخ الحكم في الجمهورية اللبنانية في حقوق الشعب اللبناني وسيادة القانون، كما على ضرورة محاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وأعمال العنف القائمة في الجمهورية.

إنّ المرحلة الإنتقالية (تشكيل حكومة مؤقتة) مهمتها المساءلة عن الانتهاكات المُرتكبة وتحقيق العدالة للشعب اللبناني أمور أساسية للمضيّْ قُدُماً ويجب أن يترافقا مع عملية تعافي وطنية، وإجراء تحقيق شامـل شفّاف في جميع انتهاكات حقوق الإنسان والتجاوزات التي وقعتْ، وتعتبر وفقاً للعلوم السياسية الخطـوة الأولى الحاسمة في الاتجاه الصحيح والسليم.

إنّ المرحلة الإنتقالية هي نقيض ما يُطالب به قادة الرأي اليوم (علمانيين وروحيين) من ضرورة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية إذ أنّ الواقع السياسي الحالي بدءاً من مجلس النواب والحكومة ورجال السياسة لا يستطيعون إنتاج نظام يُعيد الإنتظام للمؤسسات الرسمية بكونهم أحد الأسباب الموجبة لهذه الفوضى العارمة… لتلك الأسباب وغيرها إنّ «النظام الإنتقالي» الممهور بتوقيع منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، هـو المخرج الملائم لإرساء القانون وحفظ النظام بسرعة وعلى ضرورة إتخاذ تدابير فعّالة تمنع المزيد من الخسائر في الأرواح والممتلكات وأعمال العنف وردود الفعل الإنتقامية التي تتعرّض لها الجمهورية.