Site icon IMLebanon

السُنة السياسية في لبنان  

 

نال لبنان استقلاله في 22 تشرين الثاني من العام 1943، وتم ترسيم المعالم السياسية عبر الميثاق بين الزعيمين بشارة الخوري ورياض الصلح واصبح عرفا لادارة البلاد، حيث ورث الموارنة صلاحيات المفوض السامي مع مشاركة السني ببعض مقاليد الحكم. كان هذا الميثاق عبارة عن اتفاق ضمني وتعهد بان يتخلى المسيحيون عن امهم الحنون فرنسا على ان يؤمن المسلم بنهائية الوطن لبنان بعدم مطالبة هذا الشريك بالانضمام الى الوطن العربي ليكون لبنان ذو “وجه عربي” حسب الدستور القديم”.

بقي هذا الاتفاق او الميثاق مستمرا حتى العام 1975 بدء الاحداث والحرب الاهلية التي امتدت حتى العام 1990 حيث عدّل الدستور، واصبح للبنان دستورا جديداً سمي باتفاق الطائف.

تعرض هذا الميثاق او الـ”gentlemen agreement” كما يسمونه بالانكليزية لعدة هزات وانتكاسات وادخل الى غرفة العناية الفائقة عدة مرات ليعود الى الحياة ولكن مريضا هزيلا لا يتحمل اي صدمة، منها احداث 1958 حيث تكتل المسلمون بقيادة الطائفة السنية ضد شريكهم المسيحي، وبالاخص الماروني، بسبب سياسة الاحلاف التي اتبعها الرئيس كميل شمعون وعارضه الرئيس جمال عبد الناصر بطل القضية العربية، فحصلت احداث دامية انتهت بتوافق اميركي مصري ليحل مكان النفوذ الانكليزي الفرنسي وانتخاب الرئيس فؤاد شهاب كتسوية لاكمال المسيرة.

ساد عهد الرئيس شهاب استقرار نسبي تخللته بعض الاحداث اهمها احداث انقلاب الحزب القومي السوري عام 1961، حيث قمعت الدولة القائمين به وتم اجراء بعض التعديلات الادارية كمعادلة 6و6 مكرر وادخلت الاصلاحات بانشاء مجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وغيرها لاعطاء الشريك المسلم بعض الحصص في التعيينات.

بقيت الامور مستقرة نسبيا بوجود حكم بوليسي ارضى المسلمين بسياسة خارجية موالية لعبد الناصر، وراحت هذه السلطة تلاحق اخصام هذه السياسة، مما ادى الى انشاء الحلف الثلاثي (شمعون + الجميل + اده) واطلت انتكاسة حرب 1967 وازداد تأييد الشريك المسلم للقضية الفلسطينية مما ضاعف خوف المسيحي الذين اصبح يتحسس ويفكر بالانسلاخ عن المحيط للابقاء على خصوصيته. تبعتها احداث خاصة في الجنوب اللبناني التي ادت الى توقيع اتفاق القاهرة مما زاد من الانقسام العمودي بين افراد المجتمع وكادت احداث 1973 بين الجيش والفلسطينيين لتؤدي الى الانفجار حيث تم تاخيره الى نيسان 1975.

للامانة العلمية، دعم المسلمون خاصة السنة المقاومة الفلسطينية واعتبروا بان الجيش الفلسطيني هو جيشهم وان به يستطيعون الانتقام من الشريك المستاثر بمقاليد الحكم، بينما انعزل الشريك المسيحي واعلن حربه للحفاظ على خصوصيته حيث يعتبر ان لبنان قد وجد بسببه. دامت هذه الحرب حتى العام  1990 حيث انجز اتفاق الطائف وعدل الدستور وقلصت صلاحيات الرئيس  واعطيت الى مجلس الوزراء مجتمعا. جاء المغفور له الرئيس الحريري ليطغى بشخصيته واتصالاته على الحياة السياسية في لبنان، حيث شعر السنة بانهم اصبحوا اللاعب الاساسي مع شريك امني هو السوري. وحل ميثاق جديد بين سوريا والسعودية، اعطيت سوريا الامن والسعودية الاقتصاد وذلك عبر الرئيس الحريري الذي اختزل قيادات لبنان بشخصه وبالاخص الزعامات السنية.

حكمت لبنان بعد الطائف الترويكا الممثلة بالرئيس الهرواي والرئيس بري والرئيس الحريري، وكان وجود الرئيس الحريري طاغيا على الحياة السياسية فكسب السنة “السيط ولم يكسبوا الفعل”، اذ تحسست بقية الطوائف من الطائفة السنية رغم ان المعادلة السورية/الحريرية هي التي سادت، وكان لنفي الرئيس عون وسجن جعجع ومقاطعة المسيحيين للانتخابات النيابية الاثر الكبير بتراجع دورهم السياسي في تلك الحقبة.

لكن لا يمكن ان ننسى تقدم دور لاعب جديد وهو حزب الله الذي كان له الدور الابرز بتحرير الجنوب في العام 2000، واستطاع من خلال ثنائية بينه وبين الرئيس بري ان يشكلا قوة جديدة على الساحة اللبنانية ويفرض معادلة جيش وشعب ومقاومة. واخذ جنبلاط ما اراد من الوجود السوري في السياسة والدعم من الرئيس الحريري في الاقتصاد. وازدادت حساسية بقية الطوائف وسوريا من الطائفة السنية المتمثلة بالرئيس الحريري كلما اشتدت الازمات الاقليمية والدولية.

استطاع الرئيس الحريري ان يسرق الاضواء وان يكون “Catalyser” او المنظم بين الطوائف وسوريا والمجتمع الدولي، الى ان وقع الزلزال الكبير في 14 شباط 2005 حيث تم اغتياله بانفجار سيارته وموكبه في محلة السان جورج في وسط بيروت التي احب.

ورث الرئيس سعد الحريري الزعامة مكان والده وقاد ثورة الارز وما سمي بحركة 14 آذار والتي ضمّت كافة الاحزاب والاطياف وانضوت القوى المسيحية تحت لوائها مصلحة منها بالخلاص من الوجود السوري، كما لعب جنبلاط الدور الابرز ليحفظ لنفسه ولطائفته مكانته في المعادلة الجديدة. اما الطائفة الشيعية فبقيت في زاوية ما سمي بحركة 8 آذار وقام الرئيس بري بدعمها علنية ولعب دوراً ديبلوماسيا في الخفاء.

توالت الاحداث وتبدلت المواقف وخسر الرئيس سعد الحريري منصب رئاسة الحكومة وضعف موقفه الاقتصادي في السعودية وفي لبنان، مما اثر على موقعه وبالتالي على موقع الطائفة السنية بالاجمال، ولم يعد لهذه الطائفة دورها المميز اذ سقط رهانها حول اسقاط النظام السوري ولم تعد تستطيع ان تلعب ورقة الثوار نظرا لارتدائهم رداء المتطرفين، وبقيت المحكمة الدولية دون قرار منذ تأسيسها، وحالت سياسة التساهل مع الافرقاء الى سياسة تنازل للحفاظ على منصب رئاسة الحكومة، وراحت بعض القيادات السنية بالمزايدة على الرئيس الحريري بالمواقف ضد حزب الله وبموضوع الموقوفين الاسلاميين، كل ذلك ادى الى اضعاف موقف الطائفة.

بوصول التيار الوطني الحر الى السلطة وباجراء مصالحة مع القوات اللبنانية، اضحى وضع الطائفة السنية بين مكونين مسيحي ماروني يطالب باعادة ما خسره ايام الوجود السوري ويحاول اعادة المغتربين لتقوية نفوذه، ومكون شيعي يحقق الانتصارات العسكرية في الجنوب وفي عرسال ومعها مكاسب سياسية من خلال ثنائية مع الرئيس بري، وبقي المكون الدرزي بقيادة جنبلاط يبحث له عن دور مع المنتصر.

اصبحت الطائفة السنية بوضع لا تحسد عليه من الناحية السياسية، هي بتراجع وبقية الطوائف بتقدّم، وهي الآن تتعرض لكافة انواع الاتهامات ان كان بمطالب الشعب وفساد الادارة، وبالمواقف السياسية الاقليمية والدولية. وبعض الزعامات تساهم بتهشيمها، مما يستدعي من فعالياتها السياسية والروحية والزمنية ان تعود وتجتمع وتنظر بوضعها وتصحح مسارها وتنقذ ما يمكن انقاذه. اذ دُق ناقوس الخطر ليس على بابها فحسب بل على باب الكيان اللبناني.

ختاماً، اوجه هذا المقال لا للطائفة السنية اذ لم اكن مذهبيا في حياتي ولكن للضرورة احكامها، ولكن اوجهه لبقية الطوائف.

الى المسيحيين اقول، وللموارنة تحديدا، اذا كان لبنان لا قيمة له دون وجودكم،

والى الشيعة اقول مع تقديري لتضحياتكم،

والى الدروز اقول، انكم تعتقدون ان وجودكم كان اساساً لجبل لبنان،

انكم جميعا ضرورة وغنى للبنان،

فاذا كنتم المطيبات والتوابل في الاناء، فالطائفة السنية هي الاناء، فبدونه تذهبون هباء منثورا، فحذار حذار ان يكسر هذا الاناء