IMLebanon

إنتقال سياسي!

إذا تطلّب أمر «إقناع» بشار الأسد بالبحث في قصة الانتقال السياسي، تهجير نصف أهل سوريا، وقتل نحو مليون منهم، وإعاقة مئات الألوف غيرهم، وإنزال كل ذلك البلاء والشحار والمآسي والنكبات بكل سوريا، من أولها الى آخرها.. فكم سيتطلب أمر «إقناعه» بالخروج من الحكم، أو بالأحرى استكمال ذلك الخروج، بعد أن صارت سلطاته في خبر كان.. وبعد أن راحت الدولة والكيان والأرض فرق عملة موزعاً على حُماته الإيرانيين من جانب والروس من جانب آخر!

ما قيل عن «ضغط» روسي أجبر الأسد على الانصياع والقبول (مجرد القبول) بمبدأ مناقشة القرار الدولي الرقم 2254 الذي يتضمن من جملة مبادئه، بند المرحلة الانتقالية ضمن آلية تشتمل على الانتخابات، والدستور الجديد، وما إلى ذلك من تتمات، لا يدلّ في الحقيقة سوى على تطور في الموقف الروسي، وليس في الموقف الأسدي! وعلى رغبة موسكو وشغفها للعب دور وسطي يناسب قياساتها وحساباتها وتطلعاتها الأوسع من زاوية الاصطفاف مع الثنائي الأسدي – الإيراني، والمتآلفة مع رغبتها في استمرار الرهان على مقابل، من إدارة دونالد ترامب!

لم يكن (ولا يزال!) مستحيلاً تصوّر إمكانية أن يقبل بشار بأيّ كلام يُفهم منه مسّاً بوضعيّته، حتى بعد أن صارت تشبه حارس العتم، وحتى بعد أن صار راعي خرائب ليس إلاّ، وحتى بعد أن فقَدَ النظام كلّ وظائفه، وحتى بعد أن تبيّن استحالة عودته بالتاريخ الى الخلف، وحتى بعد أن صار مجرّد واجهة مزدوجة للإيراني أولاً والروسي ثانياً، قبل أن ينقلب القياس ويصير الروسي في موقع الصدارة، وحتى لو تبيّن له أنّ الخسائر البشرية الفادحة التي لحقت ببيئته وتركيبته هي من النوع الذي لا يعوّض، وحتى بعد أن لَمَسَ لمس اليد أنّ رُعاته لا حُماته مستعدّون في أيّ لحظة مناسبة لهم ولمصالحهم، أن يرذلوه حرفياً، وأن يضعوه على الرفّ عملياً، بل وأن يشاركوا في لحظة ذلك الحساب المؤجّل، في نبش مخازيه وارتكاباته وجرائمه، والتبرّؤ منها! وادّعاء عدم الإلمام بها! وعدم إطلاعهم كفاية عليها!

منذ بداية البدايات، كان واضحاً إلاّ لبعض الهواة والواهمين والحالمين والمؤدلجين، أنّ نظام آل الأسد مرصوص بطريقة لا تسمح بمرور أي شعاع إصلاحي فيه! ولا يتحمل أي محاولة لتلطيفه إذا صحّ التعبير، أو لتخفيف حدّة ألوانه الأمنيّة والفئويّة! أو للسماح لعموم السوريين بتلمّس وعيش بعض مناخات الدول الطبيعيّة، أكان لجهة سيادة القانون! أو لجهة الحرية السياسية أو الحزبية حتى لو كانت نسبية وشفّافة ومضبوطة! أو لجهة الوصول الى ترف المجادلة (تحت سقف الحكم!) في شؤون الدولة والعلاقات بين «مؤسساتها» والناس، أو علاقاتها الخارجية بالخارج الإقليمي والدولي!

وكان واضحاً وازداد وضوحاً، أنّ نظام آل الأسد بُنيَ على شكل السدّ المائي: لا يمكن إزالة حجر واحد منه وإلاّ انهار جسمه بالكامل! وإنّه بُني على قاعدة مراكمة الأمن فوق الأمن! والأجهزة فوق الأجهزة! والجيش رديف لها وليس العكس! وتركيبته مشبوكة بعناية وانطلاقاً من خبرة أكيدة، تمنعه من تعريض مركز الحكم لأي خطر انقلابي أو تمردي! مثلما تمنعه من مزاولة أي «وظيفة» خارج نطاق حماية الهدوء السيبيري القائم على جبهة الجولان المحتل!

.. لم تفعل السنوات الماضيات سوى تأكيد ذلك وأكثر منه. وترجمة شعار «الأبد» حرفياً، بالنار والقتل والتدمير المفتوح على مداه الخرائبي والأبوكاليبسي.

وفي ذلك، بعض (وليس كل) مقوّمات الافتراض الكئيب أنّ جنيف-4 يشبه جنيف-3- وجنيف-2 وجنيف-1 و سيشبه جنيف ــ 5 و6 و7 الخ..، وأنّ شيئاً لن «يقنع» بشار والتركيبة الملتفّة حوله بترك سوريا لأقدارها وأهلها، أو لمن تبقى منهم،! طالما لم تقرّر إسرائيل بعد شيئاً آخر!

وكل الباقي، بما فيه «موقف» إدارة ترامب، وبطولات فلاديمير بوتين، و«مصالح» إيران، ورغبات تركيا وغيرها من دول الجوار، هي تفاصيل على هامش ذلك الجذر.. الإسرائيلي!