للمرّة التّاسعة جولة خائبة تعيد المشهد الباهت والكاذب نفسه، وسيبقى هذا المشهد يتكرّر حتى بتنا نميل إلى الاعتقاد بأنّ لبنان ذاهب باتجاه الفوضى لتعبئة الفراغ السياسي، وأنّ نُذُر الحرب تلوح في هذا الأفق المقفل، فالبلد الذي على شفا الانهيار على كلّ المستويات قد تكون الحرب قد أصبحت حاجة له لإعادة خلط الأوراق ولا ينفع فيه حادث كبير عظيم لأنّ تجربة تفجير المرفأ ونصف المدينة لم تغيّر حرفاً في واقع الأقزام المعطّلين لكلّ شيء، وما يحدث في المنطقة هو إعادة توزيع لدويلات، ونذهب إلى الاعتقاد أنّه من الصعوبة الشديدة أن يكون هناك رئيسٌ رابع عشر إلا بعد تغيير حقيقي يطال جذرياً تعديلات عميقة جداً تعيد رسم لبنان صغيراً كان أو كبيراً وإقفال كلّ الثقوب في اتفاق الطائف التي أغرقت لبنان منذ العام 1990 لأنّ تطبيقه فيه استحالة كبرى فالأمم المتّحدة ومجلس الأمن معها ودول كبرى تنصّلوا من تطبيقه وتطبيق القرارات الدوليّة الكبرى كالـ 1559 والتي كان مطلوباً منها أن تغيّر مصير لبنان، سكت الجميع عن تطبيقها وتُرك لبنان لمصيره المؤلم تحت رحمة سلاح حزب الله! لم يعد بإمكان المصير السياسي اللبناني أن يستمرّ على طريقة ربع السّاعة الأخير وتسويات «من قريبو» تقوم على شره تقاسم الحصص وما قد ينتج عنه من شجارات «ما بعد السّرقة العامّة المشتركة»، هذه عصابة وليست دولة ولا دويلة حتى، ولم يعد يعوّل على بثّ أمل كاذب نتعلّق به مهما كان واهياً من استحقاق رئاسة إلى آخر طالما يعبث بمصير الرّئاسة صبيان الموارنة ومن يحالفونهم!
بقدر ما كان محزناً إعلان فنانة بحجم سيلين ديون إصابتها بمتلازمة الشخص المتيبّس SPS (Stiff person syndrome) بقدر ما تقودك القراءة عن هذه المتلازمة ـ اكتشفت في خمسينات القرن الماضي ـ بأنّ لبنان السياسي مصاب بنفس المتلازمة، هذا البلد يعيش تيبيس قواه وموارده ومستقبل شعبه وتصلّب تدريجي يصل في النهاية إلى إعاقة الحركة باستمرار، هذا هو التوصيف الحقيقي للوضع اللبناني منذ عطّلت إيران ممارسة الديموقراطيّة في لبنان وفرضت وضعاً مماثلاً للذي فرضته في العراق تحت مسمّى «الديموقراطيّة التوافقيّة» التي رفعها حزب الله في وجه لبنان يوم قرأ علينا أمين عام حزب الله «مزامير» الوثيقة السياسيّة لحزب الله، منذ 8 آذار العام 2005 دخل لبنان حالة «الشّخص المتيبّس» ولا يزال وسيبقى حتى يتغيّر الميزان الإيراني في المنطقة!
الجلسة التاسعة أو التاسعة عشر أو التاسعة والعشرون سيبقى المشهد على ما هو عليه مزيد من الحزن والألم والفقر والموت سيصيب اللبنانيّين وسيبقى حزب الله قابضاً على مصير لبنان!
منذ رسم حزب الله في الوثيقة السياسية للبنان ملامح الدولة والنظام السياسي في إطار متيبّس ملزم تحت عنوان «إلى أن يتمكن اللبنانيّون ومن خلال حوارهم الوطني من تحقيق هذا الإنجاز التاريخي والحساس – نعني إلغاء الطائفية السياسية – وطالما أنّ النظام السياسي يقوم على أسس طائفية فإنّ الديموقراطية التوافقية تبقى القاعدة الأساس للحكم في لبنان، لأنها التجسيد الفعلي لروح الدستور ولجوهر ميثاق العيش المشترك»…
لا مفرّ من المشهد اللبناني إلا بتفكيك هذا الواقع وإعادة تركيبه بطريقة سليمة يكون فيها اللبنانيّون سواسية أمام القانون وكلّ الفرقاء يخضعون لسلطة دولة واحدة ليس فيها فريق مرتبط ارتباطاً عضوياً بدولة أخرى بحجّة العقيدة وليس فيها فريق يملك ترسانة من السّلاح يستخدمها في الداخل والخارج وفي كلّ مكان من العالم من أجل مصلحة أجندة هذه الدّولة، غير هذا ستبقى جلسات انتخاب الرئيس الأسبوعية هدراً للوقت وإمعاناً في السخرية من عقول اللبنانيّين!