IMLebanon

الحكمة في ممارسة العمل السياسي

 

 

إنّ العلم السياسي يُقرّ العديد من المنظومات السياسية لمخرجات تحديث منظومة سياسية، وبالأخص المشاريع السياسية الإقتصادية الإنمائية المالية الإجتماعية، وغيرها من المشاريع، كقانون الإنتخاب وقانون الأحزاب والجمعيات. إنّ المهمّة الإصلاحية لأي منظومة سياسية، تكون وضع مشاريع قوانين والنظر ببعض التعديلات المتصلة حكمًا ببعض القوانين وآليات العمل التشريعي وتقديم التوصيات المتعلقة بتطوير التشريعات الناظمة للإدارة السياسية وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار وتهيئة البيئة التشريعية والسياسية الضامنة لدور المواطنين في الحياة العامة.

 

أي باحث سياسي مهمته البحثية تندرج في إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية والقضائية والعسكرية والإقتصادية والإنمائية والزراعية والتجارية، وذلك على نحو يضمن الأهداف والطموحات المرجوّة لمستقبل شعب ووطن. إنّ أي حكمة في ممارسة العمل السياسي تستوجب عملاً مُضنيًا للخروج بإطار تشريعي يؤسس لحياة سياسية فاعلة، قادرة على إقناع المواطنين بطروحاتها، للوصول إلى حياة سياسية سليمة، قائمة على العلم السياسي والتأسيس لمرحلة متقدّمة في أسلوب ممارسة السلطات الإجرائية والتنفيذية والتشريعية والقضائية، وغيرها من السلطات المهمّة لمسؤولياتها، إستنادًا لقواعد وأحكام العلم السياسي وللقوانين المرعية الإجراء.

الأهم في الحكمة إيلاء الإهتمام بالقوانين وتطبيقها وعدم تسييسها وتجنيبها الشروحات الغوغائية والبحث في السُبل الكفيلة بعدم القفز فوق القوانين وتفسيرها غُبَّ الطلب أو وفقَ مصلحة خاصة أو بطريقة إستنسابية، ممّا يُفقِد القوانين هيبتها، ولِما يجب أن يتمتّع به القانون من حصانة وتعزيز إحترام وتطبيق القوانين حقوقًا وواجبات، والحريات المكفولة بالتشريعات المُصانة دستوريًا، كما الإلتزام التام بمبدأ سيادة القانون على الجميع ومن دون كيديّة. الحكمة في ممارسة العمل السياسي تستوجب وضع مشاريع قوانين توافقية، تضمن الإنتقال المتدرج نحو تحقيق الأهداف المستقبلية بالكامل، والتمثيل العادل للشعب على إمتداد الوطن، كما العمل على خدمتهم في حاضرهم، وتستشرف تطور حياتهم ومستقبلهم من دون منّة من أحد، عملاً بالقوانين الدولية المرعية الإجراء .

إنّ أي حكمة في ممارسة العمل السياسي يجب أن تنبع من الإرادة السّامية لتطوير المنظومة السياسية لأي بلد، وإنضاج التحوّل الديمقراطي، مع العلم أنّ إعتماد الديمقراطية يجب أنْ يأتي طوعًا لا في ظرف طارئ محلي، أو بفعل ضغط خارجي، بل بإصرار دائم من جانب الحاكم على إنجاز الأفضل لشعبه.

والحكمة في ممارسة العمل السياسي تأتي من خلال العديد من الجهود المتطورة في الحياة السياسية، حيث الظرف الطبيعي والعلمي يحتاج فعليًا إلى تنمية سياسية فكرية حقيقية، تتمثل في سنّ تشريعات وإنشاء مراكز أبحاث ومؤسسات سياسية، والتشديد على نوعيتها، والتي تُكلّف برعاية الحياة الديمقراطية، لتشكّل عامل ثقة وبُنية تحتية قوية للحياة الديمقراطية السليمة، على أن تترافق بالعديد من الإصلاحات المتنوّعة المهمّة في الجوانب التشريعية والمؤسستية، التي تنتقل إلى مفهوم التحديث السياسي، كما ينص عليه علم السياسة .

الحكمة في ممارسة العمل السياسي تتطلب تعزيز قيم المواطنة حقوقًا وواجبات، وتعزيز الحرّيات المكفولة بالتشريعات المُصانة تنفيذيًا، والإلتزام بمبدأ سيادة القانون والحرص على إعلاء مبدأ قيم العدالة وتوفير أقصى الضمانات للنزاهة والشفافية في ما يُطرح من تشريعات وقوانين ومشاريع قوانين. وكل هذه الأمور تشكّل فرصة كبيرة لتطوير العمل السياسي بكل مندرجاته.

والحكمة في ممارسة العمل السياسي تكون في الدور الأساس للمجتمع وبكل مكوّناته، خصوصاً النقابات والأحزاب. والتحديث السياسي علميًا يصنعه العمل السياسي الشريف… وكل هذه الأمور تحفِّزْ الجميع للإنخراط في أي ورشة لتحديث وإصلاح برامج لإنتاج منظومة سياسية قابلة للتطبيق وتطوِّرْ أفكارها وآليات عملها بما يستقطب شعوب الدول والأوطان.

الحكمة في ممارسة العمل السياسي تعني عمليًا وإستنادًا للعلم السياسي، إنّ أي تحديث للمنظومة السياسية يعني علميًا تحسين نوعية حياة الشعوب والوصول بهم إلى مجتمع مثقف غني برأسماله الفكري البشري والإجتماعي الفاعل، ويؤدي أي فرد منهم ما هو مطلوب منه من أدوار، وينهض بمسؤوليات معينة في مجال خطّط التنمية الوطنية. والتحديث السياسي هو الذي يفتح الطريق إلى مجتمع لا يحوّل أفراده إختلافاتهم إلى خلاف كبير وإنشقاقات، بل يبنون متضامنين مجتمعًا متعدِّدًا غنيًا بتنوّع مكوناته الفكرية والدينية والإجتماعية، توحّدهم الهوية الوطنية الواحدة، هوية الدولة التي لا تُلوّن ولا تُصنّفْ ولا تُباع ولا تُرهن، كما الإعتراف بأنّ التعددية السياسية هي مصدر للتكامل والإندماج والتقدُّمْ .

الحكمة في ممارسة العمل السياسي، الإلتزام السياسي السليم وإتخاذ موقف ليس للهدم بل بالنقد البنّاء، ذلك أنّ أي نقد هدّام يقود إلى أبواب مسدودة وينتهي إما إلى لا مبالاة تجاه القضايا الحسّاسة في المجتمع الغارق في تفاصيل جزئيات، أو إلى فوضى ربما تتحوّل إلى حرب داخلية .أما النقد والإلتزام البنّاءان، يفتحان آفاقاً للتغيير والإعتراف المبدئي المتبادل بالرأي الآخر، من أجل إيجاد حوار وتفاهم، يقدّم خدمة المصلحة العامة التي غالبًا ما تعود بالنفع على كل أفراد المجتمع في دولة ما دونما إستثناء، أو إقصاء لأي فرد أو مكوّن. إنّ أي ممارسة سياسية فعلية وسليمة التي يحياها أي رجل سياسي، عليها أن تنغمس في المجتمع لكي تنجح في تحليله من داخله، من خلال ملامسة واقعه المعاش الذي يُمارسه في حياته اليومية ونشاطه الطبيعي. وكلما كانت النخب السياسية والمؤسسات السياسية ذات الصلة بالعمل السياسي، على مستوى من النضج والعمق الفكري والإنتماء السليم للوطن غير المشروط، وكلما كانت عوامل مساهمة في نجاح العملية السياسية وأدوات ضامنة لنجاح الإستقرار السياسي في أي مجتمع ينشد الإستقرار من خلال التوافق بين كل المكونات، على صياغة منظومة سياسية، وتلزم الجميع بإحترامها والإقرار بما تنصّ عليه عن إقتناع وإحترام لا بواسطة قوة إجبار أو إكراه.

عسى حُكاّم لبنان أو من سيُنتدبون إلى ممارسة العمل السياسي يرتكزون إلى الحكمة في العمل السياسي .