في السياسات الغريبة العجيبة لهذه الأيام الحبلى بكل الأوضاع المعقدة والمشاكل الإقتصادية المتلاطمة، والصحية المتفاقمة إلى حدود الحظر الصحي الشديد، تبرز جملة من المواقف التي تدفع بنا الى التوقف تجاهها، توقفا فيه الكثير من الحذر والتحفظ والخوف الشديد على واقعنا المزري وتشعباته التي لا تُطلّ علينا بأي وجه خير!!
كل ذلك، ولم نوصل مشاكلنا المستغيثة إلى حدود كارثة الرابع من آب وملحقاتها التي قضت على مرفأ بيروت بكامل معالمه ومنشآته وعلى كل محيطه من أرجاء واسعة لهذه العاصمة المنكوبة وما خلفته من شهداء وضحايا ومصابين، فضلاً عن أحياءٍ رئيسية لطالما كانت جزءاً هاماً من أجزاء هذه المدينة التي شكلت على مدى عقود طويلة من الزمن مفخرة من مفاخر المنطقة والعالم بتميزها وتقدمها العمراني والتراثي والفكري والفني والإنساني، فجاءت شطحةٌ من شطحات الإهمال والتآمر والإستغلال المستبد لأرواح الناس وأرزاقهم وأملاكهم وبيوتهم، وكان ما كان من كارثة تكاد أن توازي كارثتي هيروشيما ونكازاكي.
وفي واقع النتائج وحصيلة ردة الفعل الرسمية، وبالرغم من بعض التحركات الإستعراضية حتى الآن، فإن واقع الحدث الجلل كأنما هو حدث «طبيعي»، و«منتظر»، وفي حصيلة واقعية لنتائجه المتجاهلة لكل العثرات والثغرات والمسببات الحقيقية والمعروفة من الجميع والمستخلَصةِ من كلِّ العقول الناظرة والمفكرة والمستنتتجة، فإننا بما هو حاصل يتمثل بنتيجة مستغربة: « لا من شاف ولا من دري»!
كل ذلك واللاعبون السياسيون والميثاقيون يلعبون في غياب مستفحل لشطرٍ أساسي من أبناء هذا البلد وميثاقيته… حيث هناك جهة أو جهات سياسية وحزبية فرضته وأملته على جزء مهم من جزيئات هذا الوطن سواء شاء أم أبى، من خلال حكومة معظمها من هواة السياسة ومتدرّجي الحكم وقيل لرئيسها العتيد: أنت ممثّل هذه الطائفة في لبنان وأنت الناطق بإسمها وأنت الذي تسمع منّا ما نريد وتفعل عنّا ما نقول، وها نحن الآن بعد إستقالة هذه «الحكومة العتيدة» نعاني من سلسلة من المخالفات والتناقضات الدستورية والقانونية والميثاقية من خلال حكم مقطوع من بعض أوصاله ومشكوك في بعض تمثيله، تأخذه رياح المشيئات المغرضة والفارضة في جملة من التراوحات والشقلبات وحصيلتها العملية واحدةٍ: احدى الطوائف الميثاقية الرئيسية في هذه الحكومة السياسية، غائبة غياباً مفروضا، صوتها مكبوت، موقفها مشوّه ومستغنى عنه، ومعظم زعمائها مكتفون بالحد الأدنى من المواقف التي تظهر أنهم ما زالوا مع طائفتهم على قيد الحياة.
الاّ أنّ الإصطناع القائم في الوضع السياسي يقابله على ما يتبدى بوضوح من الأوساط العامة، غليان شعبي يرفض أن يكون الوضع السياسي في لبنان على هذا الحد من الطوائفية المفروضة والتصرف الطائفي والفم المكبوت والتحرك الملجوم والممنوع على الحال التي نلمسها في أوساطنا السياسية والدينية التمثيلية، حيث الموقف المنتظر والمطلوب من ممثلي هذه الطائفة المستضعفة في لبنان سواء في الإطار السياسي أم الإطار الديني المتمثل بدار الفتوى وملحقاتها ذات القدرة والطاقات الملجومة حتى الآن عن الإطار الطائل والقادر والفعال. ويكاد موقف البطريركية المارونية المتمثل بجملة من المواقف والتحركات التي أدلى بها في الأيام الأخيرة غبطة البطريرك يواكبه في هذا المنحى المطران عودة وأجواء روحية متنوعة، وكلنا أمل أن نجد أوساطنا السياسية عامة مصحوبة ومدعمة بالوسط الديني الميثاقي طالما الوضع العام على حاله ومآله التي تحور وتدور ولا تجد لها إلاّ الطائفية والمذهبية الحادة، وبعد: إن الناس في هذا البلد المنكوب قد باتوا في غمرة من الخوف والتحسب، خاصة بعد حادثة تفجير بيروت بكل ضخامته ورهبته. كل يخشى على منطقته وشارعه وبيته وأولاده دون أن ننكر وجود تطلعات مستجدة عموما في هذا البلد المنكوب، وكثيرون باتوا يشدون الرّحال سعياً إلى الهجرة بما يقيهم ويحمي أهلهم وأولادهم من هول الإنفجارات القاتلة التي تجعل مدينة هائلة الحجم والوزن والتاريخ الحافل، أثراً بعد حين.
نتطرق إلى تصريح سابق لفخامة الرئيس مستجدة لدى الناس، خاصة الشبان منهم يدعو فيه «المتضررين» إلى التمسك بأرضهم ومنازلهم وبهوية مدينتهم بيروت، مشيراً إلى أن عملية تعويض المتضررين ستكون «سريعة وفعّالة». نتساءل: من أين وكيف وبأية أموال يا صاحب الفخامة، طالما المراجع الدولية والعربية جميعا؟! تمنع نفسها عن التعامل مع دولتنا العلية بانتظار إصلاحات موعودة، وتحصر معاملتها بالناس وهيئاتهم وتنظيماتهم.
كما نتطرق إلى تكتل «لبنان القوي» الذي زاركم بعض نوابه وأطلعوكم على ما يقومون به لرعاية شؤون المتضررين والخطوات التي ينوون القيام بها بصددهم. أسألكم بالله عليكم… هل تجرأ أحدكم أنتم ومعظم زملائكم من النواب من جميع الأحزاب والكتل على القيام بجولة ولو صغيرة، في الأماكن المتضررة؟، وكيف لكم بالتالي التعرض إلى الحاجات الملحة للمتضررين كما ذكرتم، وهم قد سلّموا أمرهم لله والمتحرّكين من أبناء هذا المجتمع، ولو صودف وأن التقوا بأي منكم لكانت ردّة فعلهم معروفة سلفاً.
أيها المتخاصمون والمتزاحمون على مواقع السلطة… كفى ما قدمتموه للوطن الحبيب من موت وخراب ودمار، ونستمع جيدا إلى غبطة البطريرك الذي حذرنا وحذركم من مواقع أخطار واضحة تهدد الوطن والمواطنين، على الجميع تلافي مزيد من المآسي بعد عملية تسريع وقائع الهجرة والهاربين من هول الأحداث وخباياها.