IMLebanon

عَبَدَة الشياطين وعَبَدَة السياسيين!

 

اللّهُمَ إغفر لي بعض ما سيرد في هذا النصّ… لكن يبدو أنّه بعد أسابيع من إندلاع الإنتفاضة الشعبية في لبنان، بات من الأسهل على الحرّ والثائر في هذا البلد أن يكون له أصحاب من عبدة الشياطين على أن يكون له صديق واحد من عبدة السياسيين.

 

ولا يأتي هذا الاستنتاج أو التمنّي من باب ضعف الإيمان أو بسبب خللٍ في العقيدة الدينية، وإنما يأتي كنتيجة حتمية لما نسمعه ونشاهده في الطرقات وعلى الشاشات من بعض المحازبين من عبدة السياسيين، الذين أخجلوا بهتافاتهم وتعليقاتهم الملحدين والكفّار والوثنيين وحتى عبدة الشياطين.

 

وأكثر ما يصدم في هذه المعادلة القديمة المستجدّة على أرض الواقع، هو أنّ جميع هؤلاء المحازبين، ومن دون استثناء، هم في الأصل من المؤمنين الورعين سواء مسيحيين كانوا أو مسلمين.

 

هؤلاء المحازبون لا يتركون خطبة جمعة أو ركعة أو فرضاً إلّا ويلتزمون به، ولا يتركون يوم أحدٍ يعتب عليهم، ولا صياماً ولا أماتة ولا مسبحة ولا شموعاً ولا مزارات وأعياداً.

 

إذا كان لدينا أصدقاء من عبدة الشياطين، ففي أبسط الأحوال سنكون عارفين ماذا يعبدون وكيف يفكّرون وما هي مبادؤهم، وأضعف الإيمان أن نكون مسلّحين بما يكفي من القناعة والحجج والبراهين لمواجهتهم إذا ما اختاروا إرشادنا لا سمح الله، أو يمكننا حتى إقناعهم بالدين الأفضل وتخليصهم من نار جهنم والعذابات الأبدية… وهذا أمر واضح وسهل لأي مؤمن.

 

لكن لا سمح الله ألف مرّة، إذا صادفنا أحد عبدة السياسيين في الشارع أو سمعناه في التلفزيون أو على منبر، فهناك الفاجعة الكبرى. لأننا إذا كنّا قد حفظنا «الإنجيل» و«القرآن»، وتشرّبنا «نهج البلاغة» و«رسائل بولس»، وقرأنا «رأس المال» و«الأمير»، وتصفّحنا كل كتب السياسة والتاريخ، لن نستطيع تخليص أي واحد من عبدة السياسيين من جحيم الاستعباد، ولن نستطيع إقناعه أنّ مار مارون لا يعيش في قصر بعبدا، وعمر الخطاب لا يسكن السراي، والإمام الحسين لا يبيت في البرلمان، وأنّ السياسيين ليسوا أصحاب الملاك جبرائيل أو زملاء القديس بطرس.

 

نشهد منذ إنطلاق الانتفاضة استغلال إسم الله في التظاهرات للدفاع عن الزعماء، وتمادياً غير مسبوق في العهر التعبيري عن جلوس سياسيين عن يمين الله ويساره، عدا عن اعتبار الزعيم أخ المسيح وإبن عمّ الأنبياء ومرشد الملائكة والقدّيسين.

 

وكلّما نزل المزيد من الناس للمطالبة بمكافحة الفساد ومحاكمة السارقين والتضييق على مافيات النفط والاتصالات والكهرباء والأدوية والهدر… وكلّما نزلت الناس للمطالبة بلقمة عيش كريمة، كلّما جنّ جنون عبدة السياسيين وارتفع منسوب جهلهم السياسي قبل الديني.

 

ولا أحد يعلم ما دخل الله ويسوع المسيح والنبي محمد ومريم العذراء والإمام علي بثورة 17 تشرين. وأي عقل هذا الذي يردّ على خطاب سياسي بخطاب ديني معادٍ؟ وأي عقل هذا الذي يحاول ترهيب المطالبين بكرامة العيش بخطاب ديني جاهلي المنشأ وداعشي الهدف؟

 

الإرهابي هو كلّ شخص يُقدم على عمل تخريبي وتحريضي وتكفيري ضد أي مجموعة من الناس العزّل بناءً على تعاليم دينية محرّفة، ومن أجل أهداف سياسية مشبوهة.

 

والإرهابي هو ليس فقط المنتمي إلى تنظيم «القاعدة» أو «داعش» أو «بوكو حرام»، وإنما هو أي شخص يستخدم معتقداته الدينية للدفاع عن أفكاره السياسية وكرسي زعيمه، بالكلام أو الأفعال أو التخريب والعدائية.

 

والخوف اليوم لم يعد من الإرهابيين المتلّطين خلف الحدود، وإنما أصبح الهلع من الإرهابيين المفضوحين في الداخل، الذين لا يخجلون من إرهابهم المقنّع بالتحضّر والانفتاح وبناء الأوطان.

 

أصبح الهلع من هؤلاء القادرين ببساطة على التهديد بحرق دين ومبادئ ومعتقدات كل من يختلف مع إرادة زعيمهم، حتى ولو كان فاسداً وسارقاً ومقصّراً.

 

وإذا كنّا، على اختلافنا، نؤمن أنّ الله يحاسب الخاطئين، فيجب أن نؤمن أيضاً أنّه من واجباتنا كمواطنين أن نحاكم السياسيين على أخطائهم.