أستهل مقالي الأسبوعي بما قاله صاحب الغبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، في سياق عظته “لستُم أسياد الشعب بل خُدّامه”، ومن المظاهر الأكثر دلالة الى هذا الأمر السيئ، أي الإستئثار بالسلطة في لبنان، هو تفّشي الفساد السياسي الذي يتناقض مع مبادئ العلم السياسي. وبصريح العبارة، أعتقد وإنني على يقين وبعد دراسات عدة، أنّ الفساد يتمركز من أعلى المراكز السياسية حتى أسفلها، وتتزامن معه عملية تضليل ممنهجة للشعب اللبناني، حيث يحتار مطلق أي باحث في تصويب بعض الأمور، والسبب، الحرمان الذي يُعانيه من السلطة الجائرة، التي تمارس أفعالها الشنيعة خلافًا لشرعة حقوق الإنسان ومبادئ الحريات العامة، مصادرةً كل وسائل الإتصال، إضافةً إلى تسخير الأجهزة الأمنية، التي تُكلِّفُها إستدعاء أي معارض لوصايتها اللاشرعية الممارسة خلافًا للنظام الديموقراطي.
الفساد السياسي عند مسؤولي الأمر الواقع أخذ أشكالاً متعدّدة منذ سنين طويلة، فبعضه تلّبَسَ إستقطاب آلاف الشبان اللبنانيين على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم، الذين غصبًا عنهم باتوا أسرى هؤلاء السياسيين، لأنّهم يُصادرون لقمة عيشهم، لا بل أبسط حقوقهم المعيشية. والأكثر خطرًا، يتمثّل هذا الفساد في مصادرة نسب معينة من أعمال اللبنانيين في الدولة وتُحوّل لمصلحة السياسيين، خلافًا للأنظمة المالية العالمية والدولية. والممارسات السياسية الخطيرة وصلت إلى حدّ تشريع قوانين لتبرير أعذار واهية. وفي علم القانون ما هو حق لا يمكن طمسه بقوانين جائرة. تفّشي الفساد السياسي أصبح ظاهرة معروفة في لبنان، وفي حال بقيت الأمور على ما هي عليه ستزداد الوتيرة من سيئ إلى أسوأ…
في لبنان، مرحليًا تقف عوامل كثيرة ومعقّدة، وهي في التحديد داخلية ـ إقليمية ـ دولية، أمام إحداث نقلة نوعية في إصلاح المجتمع اللبناني وتطويره، وإستئثار القوى السياسية الحالية وعلى إختلاف مشاربها، وما من أحدٍ معفى من المسؤولية، هو العائق الجدّي أمام تطوير لبنان، وحتى عمليًا تحقيق التقارب، وربما التكامل بينها، وينسف المشاريع الوطنية الهادفة إلى تغيير السلوكية السياسية الراهنة المنافية لأبسط قواعد العلم السياسي، وفي طليعتها مبادئ الديمقراطية. الحاصل اليوم، انّ هذا النظام القائم يتداول السلطة بطريقة مخالفة للنظام الديمقراطي، وقد كسب بعضًا من الشرعية الزائفة بالوعود والتحالفات الهّشة مع أحزاب تفتقد إلى الصدقية وتخالف القوانين اللبنانية المرعية الإجراء، والتي تتخلّى عن مبدأ المشاركة الواسعة لمختلف الطبقات والشرائح الإجتماعية وحركات الوعي السياسي، حال شعورها بترسيخ مواقعها واستمالة مؤسسات القوة وإحتكارها.
واليوم نلاحظ، أنّ السلطة الصُورية القائمة، تستأثر بالسلطة وتتبنّى أسلوب القمع وتوّظف لإستدامة وجودها في السلطة وتصفية تلك القوى، ولسنا في حاجة إلى تعداد بعض مآثرها، وتستعمل الأساليب الوحشية وكمّ الأفواه… كل هذه الامور أثبتت تاريخيًا أنّها تؤدي إلى طريق مسدود ولا تُساعد في تحسين ظروف المواطنين…
ما يجري اليوم يكشف مواقع الخلل في المنظومة السياسية السائدة، بفعل هذه السلطة المأجورة، والتي لا تزال تريد ممارسة حكمها بعيدًا من الإرادة الشعبية، وتدير العملية السياسية بنحو منفرد، غير آخذة بمصلحة شعب لبنان والدولة بمؤسساتها المدنية والعسكرية. وتسعى هذه السلطة اللئيمة إلى تحويل الدولة بكل أجهزتها أداة في خدمة أنظمة شمولية، تتلاءم مع طموحاتها في إختزال الديمقراطية وسيادة التوتاليتارية التي لم يألفها لبنان منذ نشأته المئوية. سلطة تتحرّك على خلفية تواصل المعاناة الشعبية والإستعباد السياسي وهشاشة نهج الدولة. سلطة ترفض التغيير السلمي المبني على الأسُسْ الديمقراطية، وتُجرّمْ الشرفاء وتضعهم في دائرة الشُبهة، وتُشرّع بعض القوانين بهدف ترهيب الناس، وتعمد إلى إعتقال المناضلين، وتسعى إلى تفتيت القوى الحيّة، وسلطة تتزايد معها مبادئ الإستئثار بالسلطة، وتضفي بعض الأجواء العرفية على مجمل العمل السياسي.
حقًا صدق صاحب الغبطة في عظة الأحد “لستم أسياد الشعب بل خُدّامه”. آمل في أن يأتي يوم يدرك فيه أصحاب الوجوه الصُفُر أنّهم لم يقرأوا حقيقة الواقع كما يلزم، وإنّ التنازل عن السلطة أفضل من الإستئثار بها، حيث بات الأمر يتطّلب تسليم السلطة طوعًا للشرفاء وإلاّ…