IMLebanon

المنظومة و”سنّ اليأس”

 

حادة هي عوارض “سنّ اليأس” التي تنتاب المنظومة الحاكمة عندنا. وواضح الإنحسار الهرموني لقدرتها على الإحتفاظ بخصوبة فكرية خلّاقة تساهم في تعويمها. وهزيل إستعراض عضلاتها المنفوخة بالهواء والهراء على أرض الواقع، وبالرغم من إمساكها بمقتدرات البلاد، إلا أنّ خسارتها بالنقاط متسارعة. يتبلور عجزها أكثر فأكثر عن تغييرٍ، وإن قيد أنملة، في أي مجالٍ من المجالات التي لطالما شكّلت ملعبها.

 

حادّة هي هذه العوارض التي يحاول “الطقم السياسي” في المنظومة التحايل عليها بإبتذال. مجلس دفاعه الأعلى يُتحفنا بقرارات “غير مسبوقة” تحثُّ وزير الأشغال العامة في حكومة “البوتوكس الأزلي” على استكمال تنظيف المجاري والأقنية، وتطلب إلى وزير الداخلية التعميم على البلديات ضرورة إجراء التنظيفات والصيانات اللازمة.

 

لكن عن أيّ تنظيفات وصيانات يتحدّثون؟ فهم من “برّه هالله هالله ومن جوّه يعلم الله”. وتقنية “التلميع والتشميع” لا تنقذهم من عقم مزايدتهم على المتضرّرين من مجرّد وجودهم في مناصبهم التي فقدت سبب الوجود.

 

وهم تجاوزوا “سنّ اليأس” السياسي بمراحل، بعدما صارت إجتماعاتهم البرلمانية أشبه بصراع ديوك لا مكسب منه، وبعدما فقدوا كلّ الدجاجات التي كانت تمدّهم بالزهو ليعلنوا طلوع صباح هذا البلد المنكوب بهم.

 

بعضهم صار دجاجاً غير مدعوم. لا شغل له الا الـ”البق بق بقيق”.. وبعضهم الآخر لا يزال يلعب على وتر الإستعطاف، ويدّعي أنه على لائحة الإغتيالات، لذا ينزوي.

 

وكلّهم تدنّت نسبة “التيستوسترون السياسي” لديهم، ما كثَّف منسوب قلقهم وعكّر مزاجهم. فتمدّد ظلام مصيرهم، ولم يعد ينفعهم إطباقهم على أنفاسنا وأرواحنا، ينهبونها بضمير مرتاح.

 

كأنّهم يلمسون، وللمرة الأولى أنهم يراوحون مكانهم ويدورون حول أنفسهم كالعميان. ينتظرون نصر الله والفتح. وصبرهم ليس إستراتيجياً كحال رأس مِحورهم. لذا، نشهد هذه الأيام تفاقم نوبات الغضب والتوتّر لديهم، لتسود الحدّة الهستيرية أحياناً، والركاكة في مضامين ما يكرّرون ويستنسخون في تصريحاتهم.

 

انعدمت هوياتهم، كذلك إنعدمت خصوصية إنتماءاتهم. لم يعد لديهم إلا إختراع مناسبات لبحث قضايا هم أسبابها وأبطالها. يتراشقون بها ويلاحقون الكاميرات ليفرضوا وجودهم عبر حملات مسعورة مدجّجة بإتهامات وتوصيفات وإنتقادات، ليس وِفق مشروع سياسي واضح، وليس لإلغاء الآخر وإعدام وجوده على الساحة السياسية.

 

ولكن لأنّهم خاسرون. لا يملكون إلا وسائلهم المبتذلة للتنفيس عن سخطهم، وهم يكتشفون يوماً بعد يوم أنّهم أصبحوا لزوم ما لا يلزم.

 

لعلّهم شعروا بـ”سنّ اليأس” نتيجة إنشغال رأس المِحور عنهم بامتصاص الضربات المتعاقبة عليه. فهو يهملهم هذه الأيام، ويتركهم من دون بوصلة تسدّد خطاهم وتوجّههم لتنفيذ أجندته. ذلك أنّ الأولوية في المرحلة الراهنة هي لإلتقاط أنفاسه، حتى يعاود اللعب بدماء من يتحكّم بهم، بغية تحسين أوراقه في أي مفاوضات مرتبطة بظروف المنطقة.

 

أو أنّ إنفضاض المريدين عنهم أرهبهم ونبّههم الى أنّهم يعانون من “جهلة الأربعين” أو “جهلة الستين”. الله أعلم!!

 

لا يهمّ. المهمّ أنّ ما يحصل يثبت وصولهم إلى أرذل العمر السياسي. وليست انتخابات الجامعات بنتائجها المدمّرة لحيثياتهم الّا الدليل على أنّ لا مستقبل لديهم بين الناس، ولا أمل في سعيهم للعودة الى صبا شعبيتهم بين صفوف المشمئزّين منهم.